للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِلْأَكْثَرِ مَفْتُوحَةٌ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِكَسْرِهَا، وَرِوَايَةُ الْفَتْحِ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا، فَإِنَّ حُصُولَ الْقِيرَاطِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى وُجُودِ الصَّلَاةِ مِنَ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّائِغِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ: حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا. وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ابْتِدَاءَ الْحُضُورِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ حَيْثُ قَالَ: مِنْ أَهْلِهَا. وَفِي رِوَايَةِ خَبَّابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا. وَلِأَحْمَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: فَمَشَى مَعَهَا مِنْ أَهْلِهَا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْقِيرَاطَ يَخْتَصُّ بِمَنْ حَضَرَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ إِلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْقِيرَاطَ يَحْصُلُ أَيْضًا لِمَنْ صَلَّى فَقَطْ، لِأَنَّ كُلَّ مَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، لَكِنْ يَكُونُ قِيرَاطُ مَنْ صَلَّى فَقَطْ دُونَ قِيرَاطِ مَنْ شَيَّعَ مَثَلًا وَصَلَّى. وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ. يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَرَارِيطَ تَتَفَاوَتُ. وَوَقَعَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَلَمْ يَتْبَعْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ. وَفِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ: وَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يَتْبَعْ فَلَهُ قِيرَاطٌ.

فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تُحَصِّلُ الْقِيرَاطَ، وَإِنْ لَمْ يَقَعِ اتِّبَاعٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ الِاتِّبَاعُ هُنَا عَلَى مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَهَلْ يَأْتِي نَظِيرُ هَذَا فِي قِيرَاطِ الدَّفْنِ؟ فِيهِ بَحْثٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ: مَنِ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ. الْحَدِيثَ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْقِيرَاطَيْنِ إِنَّمَا يَحْصُلَانِ لِمَنْ كَانَ مَعَهَا فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ حَتَّى تُدْفَنَ، فَإِنْ صَلَّى مَثَلًا وَذَهَبَ إِلَى الْقَبْرِ وَحْدَهُ فَحَضَرَ الدَّفْنَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إِلَّا قِيرَاطٌ وَاحِدٌ. انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ، فَإِنْ وَرَدَ مَنْطُوقٌ بِحُصُولِ الْقِيرَاطِ لِشُهُودِ الدَّفْنِ وَحْدَهُ كَانَ مُقَدَّمًا. وَيُجْمَعُ حِينَئِذٍ بِتَفَاوُتِ الْقِيرَاطِ، وَالَّذِينَ أَبَوْا ذَلِكَ جَعَلُوهُ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، نَعَمْ مُقْتَضَى جَمِيعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى التَّشْيِيعِ فَلَمْ يُصَلِّ، وَلَمْ يَشْهَدِ الدَّفْنَ فَلَا قِيرَاطَ لَهُ إِلَّا عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ، لَكِنِ الْحَدِيثَ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَنِ الْبَرَاءِ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْإِيمَانِ وَالِاحْتِسَابِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، لِأَنَّ تَرَتُّبَ الثَّوَابِ عَلَى الْعَمَلِ يَسْتَدْعِي سَبْقَ النِّيَّةِ فِيهِ فَيَخْرُجُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُكَافَأَةِ الْمُجَرَّدَةِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْمُحَابَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ شَهِدَ) كَذَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ، وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا وَمَنْ شَهِدَهَا.

قَوْلُهُ: (فَلَهُ قِيرَاطَانِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا غَيْرُ قِيرَاطِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَحَكَاهُ ابْنُ التِّينِ، عَنِ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ، ولَكِنْ سِيَاقُ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ يَأْبَى ذَلِكَ، وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْحَاصِلَ مِنَ الصَّلَاةِ وَمِنَ الدَّفْنِ قِيرَاطَانِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ خَبَّابٍ صَاحِبِ الْمَقْصُورَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ قِيرَاطٌ. وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِمَعْنَاهُ، وَنَحْوُهُ رِوَايَةُ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: رِوَايَةُ ابْنِ سِيرِينَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْمَجْمُوعَ قِيرَاطَانِ، وَمَعْنَى رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَلَى هَذَا كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ؛ أَيْ بِالْأَوَّلِ، وَهَذَا مِثْلُ حَدِيثِ: مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ. أَيْ بِانْضِمَامِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى تُدْفَنَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ حُصُولَ الْقِيرَاطِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى فَرَاغِ الدَّفْنِ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَوْجُهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ فِي اللَّحْدِ، وَقِيلَ: عِنْدَ انْتِهَاءِ الدَّفْنِ قَبْلَ إِهَالَةِ التُّرَابِ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِكُلِّ ذَلِكَ، وَيَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ لِلزِّيَادَةِ، فَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ