بِمَا يَضُرُّ مَثَلًا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ: أَخَذَ بِيَدِي خَارِجَةُ) أَيِ: ابْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إِلَخْ. وَصَلَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ الْكَبِيرِ، وَبَيَّنَ فِيهِ سَبَبَ إِخْبَارِ خَارِجَةَ، لِحَكِيمٍ بِذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لَأَنْ أَجْلِسَ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ مَا دُونَ لَحْمِي حَتَّى تُفْضِيَ إِلَيَّ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ. قَالَ عُثْمَانُ: فَرَأَيْتُ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ فِي الْمَقَابِرِ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَأَخَذَ بِيَدِي الْحَدِيثَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَنْ جَلَسَ عَلَى قَبْرٍ يَبُولُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَغَوَّطُ، فَكَأَنَّمَا جَلَسَ عَلَى جَمْرَةٍ، لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ. قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْأَثَرَ وَالَّذِي بَعْدَهُ مِنَ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، وَهُوَ: بَابُ مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَقُعُودِ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ. وَكَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ كَتَبَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، قَالَ: وَقَدْ يُتَكَلَّفُ لَهُ طَرِيقٌ يَكُونُ بِهِ مِنَ الْبَابِ، وَهِيَ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ ضَرْبَ الْفُسْطَاطِ إِنْ كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَالتَّسَتُّرِ مِنَ الشَّمْسِ مَثَلًا لِلْحَيِّ لَا لِإِظْلَالِ الْمَيِّتِ فَقَطْ جَازَ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذَا أُعْلِيَ الْقَبْرُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ لَا لِقَصْدِ الْمُبَاهَاةِ جَازَ، كَمَا يَجُوزُ الْقُعُودُ عَلَيْهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، لَا لِمَنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدَثِ هُنَا التَّغَوُّطُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مِنَ إِحْدَاثِ مَا لَا يَلِيقُ مِنَ الْفُحْشِ قَوْلًا وَفِعْلًا؛ لِتَأَذِّي الْمَيِّتِ بِذَلِكَ. انْتَهَى.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْآثَارُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْبَابِ تَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ مُنَاسَبَتِهَا لِلتَّرْجَمَةِ، وَإِلَى مُنَاسَبَةِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ وَضْعِ الْجَرِيدَةِ، وَذَكَرَ أَثَرَ بُرَيْدَةَ، وَهُوَ يُؤْذِنُ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا، ثُمَّ أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ الْمُشْعِرَ بِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِمَا يُوضَعُ عَلَى الْقَبْرِ، بَلِ التَّأْثِيرُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَظَاهِرُهُمَا التَّعَارُضُ فَلِذَلِكَ أَبْهَمَ حُكْمَ وَضْعِ الْجَرِيدَةِ، قَالَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَصَرُّفِهِ تَرْجِيحُ الْوَضْعِ، وَيُجَابُ عَنْ أَثَرِ ابْنِ عُمَرَ بِأَنَّ ضَرْبَ الْفُسْطَاطِ عَلَى الْقَبْرِ لَمْ يَرِدْ فِيهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَيِّتُ، بِخِلَافِ وَضْعِ الْجَرِيدَةِ؛ لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا ثَبَتَتْ بِفِعْلِهِ ﷺ، وإِنْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَخْصُوصَةً بِمَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى حَالِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا الْآثَارُ الْوَارِدَةُ فِي الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ، فَإِنَّ عُمُومَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ يَدْخُلُ فِيهِ أَنَّهُ كَمَا لَا يَنْتَفِعُ بِتَظْلِيلِهِ وَلَوْ كَانَ تَعْظِيمًا لَهُ، لَا يَتَضَرَّرُ بِالْجُلُوسِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ تَحْقِيرًا لَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجْلِسُ عَلَى الْقُبُورِ) وَوَصَلَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ بِذَلِكَ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ، قَالَ: لَأَنْ أَطَأَ عَلَى رَضْفٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرٍ. وَهَذِهِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَوَرَدَ فِيهَا مِنْ صَحِيحِ الْحَدِيثِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ مَرْفُوعًا: لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ بِالْجُلُوسِ الْقُعُودُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُرَادُ بِالْقُعُودِ الْحَدَثُ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ. انْتَهَى. وَهُوَ يُوهِمُ انْفِرَادَ مَالِكٍ بِذَلِكَ، وَكَذَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ حَيْثُ قَالَ: جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْكَرَاهَةِ خِلَافًا لِمَالِكٍ. وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْجُمْهُورِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ كَقَوْلِ مَالِكٍ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ الطَّحَاوِيُّ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَثَرِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا: إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقُبُورِ لِحَدَثٍ؛ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ. وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ. وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا: لَا تَقْعُدُوا عَلَى الْقُبُورِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا مُتَّكِئٌ عَلَى قَبْرٍ فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute