الْمَسْجِدِ فَمَا نَسِينَا وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكْذِبَ جُنْدَبٌ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ اللَّهُ بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"
[الحديث ١٣٦٤ - طرفه في: ٣٤٦٣]
١٣٦٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ قال النبي ﷺ: "الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ"
[الحديث ١٣٦٥ - طرفه في: ٥٧٧٨]
قَوْلُهُ: (بَابُ مَا جَاءَ فِي قَاتِلِ النَّفْسِ) قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: مَقْصُودُ التَّرْجَمَةِ حُكْمُ قَاتِلِ النَّفْسِ. وَالْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ حُكْمُ قَاتِلِ نَفْسِهِ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ التَّرْجَمَةِ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُلْحِقَ بِقَاتِلِ نَفْسِهِ قَاتِلَ غَيْرِهِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ قَاتِلُ نَفْسِهِ الَّذِي لَمْ يَتَعَدَّ ظَلَمَ نَفْسَهَ ثَبَتَ فِيهِ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ، فَأَوْلَى مَنْ ظَلَمَ غَيْرَهُ بِإِفَاتَةِ نَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: عَادَةُ الْبُخَارِيِّ إِذَا تَوَقَّفَ فِي شَيْءٍ تَرْجَمَ عَلَيْهِ تَرْجَمَةً مُبْهَمَةً، كَأَنَّهُ يُنَبِّهُ عَلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ قَاتِلَ النَّفْسِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ نَفْسُ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ. قُلْتُ: لَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ (١). مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: أَمَّا أَنَا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ. لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْطِهِ أَوْمَأَ إِلَيْهِ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ، وَأَوْرَدَ فِيهَا مَا يُشْبِهُهُ مِنْ قِصَّةِ قَاتِلِ نَفْسِهِ.
ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ.
أَحَدُهَا: حَدِيثُ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، وَخَالِدٌ الْمَذْكُورُ فِي إِسْنَادِهِ هُوَ الْحَذَّاءُ.
ثَانِيهَا: حَدِيثُ جُنْدُبٍ، وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ قَالَ فِيهِ: قَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ:، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. وَقَدْ وَصَلَهُ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ فَذَكَرَهُ. وَهُوَ أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى أَنَّهُ رُبَّمَا عَلَّقَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِيهِ وَاسِطَةٌ، لَكِنَّهُ أَوْرَدَهُ هُنَا مُخْتَصَرًا، وَأَوْرَدَهُ هُنَاكَ مَبْسُوطًا، فَقَالَ فِي أَوَّلِهِ: كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ. وَقَالَ فِيهِ: فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا، فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ هَذَا الرَّجُلِ.
ثَالِثُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعَنُهَا يَطْعَنُهَا فِي النَّارِ. وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا فِي الطِّبِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُطَوَّلًا، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْخَنْقِ، وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ ذِكْرُ السُّمِّ وَغَيْرِهِ، وَلَفْظُهُ: فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ قَالَ بِتَخْلِيدِ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي فِي النَّارِ، وَأَجَابَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ: مِنْهَا تَوْهِيمُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَمْ يَذْكُرْ خَالِدًا مُخَلَّدًا. وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُشِيرُ إِلَى رِوَايَةِ الْبَابِ، قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ قَدْ صَحَّتْ أَنَّ أَهْلَ التَّوْحِيدِ يُعَذَّبُونَ ثُمَّ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا يُخَلَّدُونَ، وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى مَنِ اسْتَحَلَّهُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِاسْتِحْلَالِهِ كَافِرًا، وَالْكَافِرُ مُخَلَّدٌ بِلَا رَيْبٍ. وَقِيلَ: وَرَدَ مَوْرِدَ الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ، وَحَقِيقَتُهُ غَيْرُ مُرَادَةٍ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ، لَكِنْ قَدْ تَكَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمُوَحِّدِينَ فَأَخْرَجَهُمْ مِنَ النَّارِ بِتَوْحِيدِهِمْ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ مُخَلَّدًا فِيهَا إِلَى أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ
(١) هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه باللفظ المذكور كما ذكره الشارح في بلوغ المرام. والله أعلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute