للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ، قَالَ: إِنَّمَا يُفْتَنُ رَجُلَانِ: مُؤْمِنٌ وَمُنَافِقٌ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَلَا يَعْرِفُهُ. وَهَذَا مَوْقُوفٌ.

وَالْأَحَادِيثُ النَّاصَّةُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُسْأَلُ مَرْفُوعَةٌ مَعَ كَثْرَةِ طُرُقِهَا الصَّحِيحَةِ فَهِيَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، وَجَزَمَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ بِأَنَّ الْكَافِرَ يُسْأَلُ، وَاخْتُلِفَ فِي الطِّفْلِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، فَجَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ بِأَنَّهُ يُسْأَلُ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَقَّنَ. وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي النَّبِيِّ: هَلْ يُسْأَلُ، وَأَمَّا الْمَلَكُ فَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا ذَكَرَهُ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ يَخْتَصُّ بِمَنْ شَأْنُهُ أَنْ يُفْتَنَ، وَقَدْ مَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى الْأَوَّلِ، وَقَالَ: الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِتْنَةَ لِمَنْ كَانَ مَنْسُوبًا إِلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ الْجَاحِدُ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ دِينِهِ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ وَقَالَ: فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ لِلْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ﴾ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبُخَارِيِّ: وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ. بِوَاوِ الْعَطْفِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا - فَذَكَرَهُ وَفِيهِ - وَإِنْ كَانَ كَافِرًا. وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ: وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا - فَذَكَرَهُ وَفِيهِ - فَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ هَكَذَا. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُمَرَ: فَأَمَّا الْكَافِرُ الْجَاحِدُ، فَلَيْسَ مِمَّنْ يُسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، فَجَوَابُهُ أَنَّهُ نَفْيٌ بِلَا دَلِيلٍ.

بَلْ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ لَكِنْ لِلنَّافِي أَنْ يَقُولَ إِنَّ هَذَا السُّؤَالَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي) فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَةِ: وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟. وَفِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ: فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولَ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ: فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي. وَهُوَ أَتَمُّ الْأَحَادِيثِ سِيَاقًا.

قَوْلُهُ: (كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ) فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ. وَكَذَا فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ.

قَوْلُهُ: (لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ) كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا لَامٌ مَفْتُوحَةٌ وَتَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، قَالَ ثَعْلَبٌ: قَوْلُهُ: تَلَيْتَ أَصْلُهُ تَلَوْتَ، أَيْ: لَا فَهِمْتَ وَلَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ، وَالْمَعْنَى لَا دَرَيْتَ، وَلَا اتَّبَعْتَ مَنْ يَدْرِي، وَإِنَّمَا قَالَهُ بِالْيَاءِ لِمُؤَاخَاةِ دَرَيْتَ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَوْلُهُ تَلَيْتَ إِتْبَاعٌ وَلَا مَعْنَى لَهَا، وَقِيلَ: صَوَابُهُ وَلَا ائْتَلَيْتَ بِزِيَادَةِ هَمْزَتَيْنِ قَبْلَ الْمُثَنَّاةِ بِوَزْنِ افْتَعَلْتَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا أَلَوْتَ، أَيْ: مَا اسْتَطَعْتَ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، وَبِهِ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ: قَصَّرْتَ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا قَصَّرْتَ فِي طَلَبِ الدِّرَايَةِ، ثُمَّ أَنْتَ لَا تَدْرِي. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْأُلُوُّ يَكُونُ بِمَعْنَى الْجَهْدِ، وَبِمَعْنَى التَّقْصِيرِ، وَبِمَعْنَى الِاسْتِطَاعَةِ. وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ، أَنَّ صَوَابَ الرِّوَايَةِ: لَا دَرَيْتَ وَلَا أَتْلَيْتَ. بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَتَسْكِينِ الْمُثَنَّاةِ، كَأَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَنْ يَتَّبِعُهُ، وَهُوَ مِنَ الْإِتِلَاءِ، يُقَالُ: مَا أَتِلَتْ إِبِلُهُ، أَيْ: لَمْ تَلِدْ أَوْلَادًا يَتْبَعُونَهَا. وَقَالَ: قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ أَشْبَهُ بِالْمَعْنَى، أَيْ: لَا دَرَيْتَ وَلَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَدْرِيَ. وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: لَا دَرَيْتَ وَلَا اهْتَدَيْتَ. وَفِي مُرْسَلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: لَا دَرَيْتَ وَلَا أَفْلَحْتَ.

قَوْلُهُ: (بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً) تَقَدَّمَ فِي بَابِ خَفْقِ النِّعَالِ بِلَفْظِ بِمِطْرَقَةٍ عَلَى الْإِفْرَادِ، وَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأَحَادِيثِ. قَالَ الْكَرْمَانِيِّ: الْجَمْعُ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ تِلْكَ الْمِطْرَقَةِ مِطْرَقَةٌ بِرَأْسِهَا مُبَالَغَةً، اهـ. وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ: لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ