للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَسْتَطِيعُونَ﴾ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ النَّاسَ يُؤْمَرُونَ بِالسُّجُودِ، فَيَصِيرُ ظَهْرُ الْمُنَافِقِ طَبَقًا، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْجُدَ.

ثَامِنِهَا أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي بَابِ فَضْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ وَإِذَا كَانَ لَا يُعَذَّبُ الْعَاقِلُ لِكَوْنِهِ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، فَلَأَنْ لَا يُعَذَّبُ غَيْرُ الْعَاقِلِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى، وَلِحَدِيثِ سَمُرَةَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلِحَدِيثِ عَمَّةِ خَنْسَاءَ الْمُتَقَدِّمِ، وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي قَرِيبًا.

تَاسِعِهَا الْوَقْفُ.

عَاشِرِهَا الْإِمْسَاكُ وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا دِقَّةٌ. ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ: أَحَدُهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: سُئِلَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ. وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَلَى تَسْمِيَةِ هَذَا السَّائِلِ، لَكِنْ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ، عَنْ عَائِشَةَ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ السَّائِلَةُ، فَأَخْرَجَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَرَارِيُّ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: مَعَ آبَائِهِمْ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ. الْحَدِيثَ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاذٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلَتْ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ، ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ، فَنَزَلَ: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ قَالَ: هُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ، أَوْ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ. وَأَبُو مُعَاذٍ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ رَافِعًا لِكَثِيرٍ مِنَ الْإِشْكَالِ الْمُتَقَدِّمِ.

قوله: (الله أعلم) قال ابن قتيبة: معنى قوله: بما كانوا عاملين، أي: لو أبقاهم، فلا تحكموا عليهم بشيء. وقال غيره: أي علم أنهم لا يعملون شيئا، ولا يرجعون فيعملون، أو أخبر بعلم (١) شيء لو وجد كيف يكون، مثل قوله: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا﴾ ولكن لم يرد أنهم يجازون بذلك في الآخرة؛ لأن العبد لا يجازى بما لم يعمل.

(تَنْبِيهٌ): لَمْ يَسْمَعِ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ النَّبِيِّ ، بَيَّنَ ذَلِكَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَقُولُ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ: هُمْ مِنْهُمْ، حَتَّى حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ، فَلَقِيتُهُ فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ، هُوَ خَلَقَهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، فَأَمْسَكْتُ عَنْ قَوْلِي. انْتَهَى. وَهَذَا أَيْضًا يَدْفَعُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الَّذِي حَكَيْنَاهُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ طَرَفٌ مِنْ ثَانِي أَحَادِيثِ الْبَابِ - كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقَدَرِ - مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَفِي آخِرِهِ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ. وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ؟. وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَ رِوَايَةِ هَمَّامٍ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَقِبَهُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، سَمِعْتُ مَالِكًا وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ يَحْتَجُّونَ عَلَيْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ، يَعْنِي قَوْلَهُ: فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ. فَقَالَ مَالِكٌ: احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِآخِرِهِ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْقَدَرِ اسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ اللَّهَ فَطَرَ الْعِبَادَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُ لَا يُضِلُّ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يُضِلُّ الْكَافِرَ أَبَوَاهُ، فَأَشَارَ مَالِكٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ بِمَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ بَعْدَ إِيجَادِهِمْ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدَّمِ الْعِلْمِ الَّذِي يُنْكِرُهُ غُلَاتُهُمْ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَهْلُ الْقَدَرِ إِنْ أَثْبَتُوا الْعِلْمَ خُصِمُوا.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَتَابَعَهُ يُونُسُ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ،


(١) في نسخة "بعلم الشيء"