للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شَاذَّةٌ؛ لِأَنَّهُ سَلَكَ الْجَادَّةَ، وَمَنْ عَدَلَ عَنْهَا دَلَّ عَلَى مَزِيدِ حِفْظِهِ.

قَوْلُهُ: (مَثَّلَ لَهُ) أَيْ صَوَّرَ، أَوْ ضَمَّنَ مَثَّلَ مَعْنَى التَّصْيِيرِ، أَيْ: صَيَّرَ مَالَهُ عَلَى صُورَةِ شُجَاعٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَالِ النَّاضُّ، كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ: (بَرَاءَةٌ)، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ. وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِاحْتِمَالِ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، فَرِوَايَةُ ابْنِ دِينَارٍ تُوَافِقُ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَهِيَ ﴿سَيُطَوَّقُونَ﴾ وَرِوَايَةُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ تُوَافِقُ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ الْآيَةَ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: خَصَّ الْجَنْبَ وَالْجَبِينَ وَالظَّهْرَ، لِأَنَّهُ جَمَعَ الْمَالَ، وَلَمْ يَصْرِفْهُ فِي حَقِّهِ؛ لِتَحْصِيلِ الْجَاهِ وَالتَّنَعُّمِ بِالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَعْرَضَ عَنِ الْفَقِيرِ وَوَلَّاهُ ظَهْرَهُ، أَوْ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ الَّتِي هِيَ مُقَدَّمُ الْبَدَنِ وَمُؤَخَّرُهُ وَجَنْبَاهُ، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ. وَالْمُرَادُ بِالشُّجَاعِ - وَهُوَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ جِيمٍ - الْحَيَّةُ الذَّكَرُ. وَقِيلَ: الَّذِي يَقُومُ عَلَى ذَنَبِهِ وَيُوَاثِبُ الْفَارِسَ، وَالْأَقْرَعُ الَّذِي تُقْرَعُ رَأْسُهُ، أَيْ. تُمْعَطُ لِكَثْرَةِ سُمِّهِ. وَفِي كِتَابِ أَبِي عَبِيدٍ. سُمِّيَ أَقْرَعَ؛ لِأَنَّ شَعْرَ رَأْسِهِ يَتَمَعَّطُ لِجَمْعِهِ السُّمَّ فِيهِ. وَتَعَقَّبَهُ الْقَزَّازُ بِأَنَّ الْحَيَّةَ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهَا، فَلَعَلَّهُ يَذْهَبُ جِلْدُ رَأْسِهِ.

وَفِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيِّ: سُمِّيَ أَقْرَعَ؛ لِأَنَّهُ يَقْرِي السُّمَّ وَيَجْمَعُهُ فِي رَأْسِهِ حَتَّى تَتَمَعَّطَ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

قَرَى السُّمَّ حَتَّى انمار فَرْوَةُ رَأْسِهِ … عَنِ الْعَظْمِ صِلٌّ قاتل اللَّسْعِ مَارِدُهُ

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْأَقْرَعُ مِنَ الْحَيَّاتِ الَّذِي ابْيَضَّ رَأْسُهُ مِنَ السُّمِّ، وَمِنَ النَّاسِ الَّذِي لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ.

قَوْلُهُ: (لَهُ زَبِيبَتَانِ) تَثْنِيَةُ زَبِيبَةٍ بِفَتْحِ الزَّايِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ، وَهُمَا الزُّبْدَتَانِ اللَّتَانِ فِي الشِّدْقَيْنِ، يُقَالُ: تَكَلَّمَ حَتَّى زَبَدَ شِدْقَاهُ، أَيْ: خَرَجَ الزَّبَدُ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: هُمَا النُّكْتَتَانِ السَّوْدَاوَانِ فَوْقَ عَيْنَيْهِ، وَقِيلَ: نُقْطَتَانِ يَكْتَنِفَانِ فَاهُ، وَقِيلَ: هُمَا فِي حَلْقِهِ بِمَنْزِلَةِ زَنَمَتَيِ الْعَنْزِ، وَقِيلَ: لَحْمَتَانِ عَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الْقَرْنَيْنِ، وَقِيلَ: نَابَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (يُطَوَّقُهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الثَّقِيلَةِ، أَيْ: يَصِيرُ لَهُ ذَلِكَ الثُّعْبَانُ طَوْقًا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ) فَاعِلُ يَأْخُذُ هُوَ الشُّجَاعُ، وَالْمَأْخُوذُ يَدُ صَاحِبِ الْمَالِ، كَمَا وَقَعَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِيَةِ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ بِلَفْظِ: لَا يَزَالُ يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ.

قَوْلُهُ: (بِلِهْزِمَتَيْهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا زَايٌ مَكْسُورَةٌ، وَقَدْ فُسِّرَ فِي الْحَدِيثِ بِالشِّدْقَيْنِ، وَفِي الصِّحَاحِ: هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي اللَّحْيَيْنِ تَحْتَ الْأُذُنَيْنِ. وَفِي الْجَامِعِ: هُمَا لَحْمُ الْخَدَّيْنِ الَّذِي يَتَحَرَّكُ إِذَا أَكَلَ الْإِنْسَانُ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ) وَفَائِدَةُ هَذَا الْقَوْلِ الْحَسْرَةُ وَالزِّيَادَةُ فِي التَّعْذِيبِ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ، وَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ التَّهَكُّمِ. وَزَادَ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَيَطْلُبُهُ. وَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ: يَتْبَعُهُ فَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ الَّذِي تَرَكْتَهُ بَعْدَكَ، فَلَا يَزَالُ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُلْقِمَهُ يَدَهُ فَيَمْضُغَهَا ثُمَّ يَتْبَعُهُ سَائِرُ جَسَدِهِ. وَلِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيْثُ ذَهَبَ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ، فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَقْضِمُهَا كَمَا يَقْضِمُ الْفَحْلُ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَنْقُرُ رَأْسَهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ يُصَيِّرُ نَفْسَ الْمَالِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: إِلَّا مُثِّلَ لَهُ كَمَا هُنَا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ صُوِّرَ أَوْ نُصِبَ وَأُقِيمَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَثَلَ قَائِمًا، أَيْ: مُنْتَصِبًا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَلَا ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ الْآيَةَ) فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَالْحُمَيْدِيِّ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ . فَذَكَرَ الْآيَةَ، وَنَحْوِهِ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: قَرَأَ مِصْدَاقَهُ: ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِالتَّطْوِيقِ فِي الْآيَةِ