للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَعْلِيقًا فِي الْوَصَايَا، وَسَاقَهُ مُغَلْطَايْ بِإِسْنَادٍ لَهُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِهِ، وَلَيْسَ هُوَ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي سَاقَهُ مِنْهُ، فَلَا يُغْتَرُّ بِهِ وَلَا بِمَنْ تَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى آخِرِ التَّرْجَمَةِ) كَأَنَّهُ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ شَرْطَ الْمُتَصَدِّقِ أَنْ لَا يَكُونَ مُحْتَاجًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. وَيَلْتَحِقُ بِالتَّصَدُّقِ سَائِرُ التَّبَرُّعَاتِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ ذَا الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّبَرُّعُ، لَكِنَّ مَحِلَّ هَذَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إِذَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِالْفَلَسِ، وَقَدْ نَقَلَ فِيهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ، فَيُحْمَلُ إِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَّقَهَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ. فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَلَامُ ابْنِ التِّينِ يُوهِمُ أَنَّهُ بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ فَلَا يُغْتَرَّ بِهِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يَخُصَّ بِهِ عُمُومَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُخْتَصُّ بِالْمُحْتَاجِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْمُحْتَاجِ أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ أَوْ صَاحِبُ الدَّيْنِ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ. وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ التَّمْثِيلُ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَالْأَنْصَارِ، قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمِدْيَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَيَتْرُكَ قَضَاءَ الدَّيْنِ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْمُحْتَاجِ. وَحَكَى ابْنُ رَشِيدٍ، عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي الْمِدْيَانِ فِيمَا إِذَا عَامَلَهُ الْغُرَمَاءُ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَالِ فَلَوْ آثَرَ بِقُوتِهِ وَكَانَ صَبُورًا جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا كَانَ إِيثَارُهُ سَبَبًا فِي أَنْ يَرْجِعَ لِاحْتِيَاجِهِ فَيَأْكُلَ فَيُتْلِفَ أَمْوَالَهُمْ فَيُمْنَعَ. وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَدِ اشْتَمَلَتِ التَّرْجَمَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَحَادِيثَ مُعَلَّقَةٍ، وَفِي الْبَابِ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ مَوْصُولَةٍ. فَأَمَّا الْمُعَلَّقَةُ فَأَوَّلَهَا قَوْلُهُ: وَقَالَ النَّبِيُّ : مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ مَوْصُولٌ عِنْدَهُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ. ثَانِيهَا قَوْلُهُ: كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ.

هَذَا مَشْهُورٌ فِي السِّيَرِ، وَوَرَدَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ : يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. الْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِهِ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدٍ، وَهِشَامٌ صَدُوقٌ فِيهِ مَقَالٌ مِنْ جِهَةِ حِفْظِهِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ: قَالَ الْجُمْهُورُ مَنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فِي صِحَّةِ بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ حَيْثُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَكَانَ صَبُورًا عَلَى الْإِضَاقَةِ، وَلَا عِيَالَ لَهُ أَوْ لَهُ عِيَالٌ يَصْبِرُونَ أَيْضًا فَهُوَ جَائِزٌ، فَإِنْ فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ كُرِهَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَرْدُودٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ حَيْثُ رَدَّ عَلَى غَيْلَانَ الثَّقَفِيِّ قِسْمَةَ مَالِهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ لَهُ بِقِصَّةِ الْمُدَبَّرِ الْآتِي ذِكْرُهُ، فَإِنَّهُ بَاعَهُ وَأَرْسَلَ ثَمَنَهُ إِلَى الَّذِي دَبَّرَهُ لِكَوْنِهِ كَانَ مُحْتَاجًا. وَقَالَ آخَرُونَ: يَجُوزُ مِنَ الثُّلْثِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ الثُّلْثَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَمَكْحُولٍ. وَعَنْ مَكْحُولٍ أَيْضًا يُرَدُّ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَالصَّوَابُ عِنْدنَا الْأَوَّلُ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازِ، وَالْمُخْتَارُ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِحْبَابِ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مِنَ الثُّلْثِ جَمْعًا بَيْنَ قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَحَدِيثِ كَعْبٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثَالِثُهَا قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ آثَرَ الْأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ هُوَ مَشْهُورٌ أَيْضًا فِي السِّيَرِ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ: مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ: قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ، فَقَاسَمَهُمُ الْأَنْصَارُ. وَسَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي الْهِبَةِ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي آثَرَ ضَيْفَهُ بِعَشَائِهِ وَعَشَاءِ أَهْلِهِ، وَسَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَشْرِ. رَابِعُهَا قَوْلُهُ: وَنَهَى النَّبِيُّ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ. هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ. خَامِسُهَا قَوْلُهُ: وَقَالَ كَعْبٌ. يَعْنِي ابْنَ مَالِكٍ إِلَخْ، وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ التَّوْبَةِ.

وَأَمَّا الْمَوْصُولَةُ فَأَوَّلُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: خَيْرُ