للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (بَابُ مَثَلُ الْمُتَصَدِّقِ وَالْبَخِيلِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: قَامَ التَّمْثِيلُ فِي خَبَرِ الْبَابِ مَقَامَ الدَّلِيلِ عَلَى تَفْضِيلِ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى الْبَخِيلِ، فَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يُضَمِّنَ التَّرْجَمَةَ مَقَاصِدَ الْخَبَرِ عَلَى التَّفْصِيلِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُوسَى) هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ، وَابْنُ طَاوُسٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَلَمْ يَسُقِ الْمَتْنَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ الْأُولَى هُنَا، وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي الْجِهَادِ عَنْ مُوسَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ) هُوَ ابْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ.

قَوْلُهُ: (مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ) وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْمُتَصَدِّقِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ وَهَمٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَذَفَ مُقَابِلَهُ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ، قُلْتُ: قَدْ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ فِي مَسَانِيدِهِمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالُوا فِي رِوَايَتِهِمْ: مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْبَخِيلِ كَمَا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ: ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَثَلَ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ، أَخْرَجَهَا الْمُصَنِّفُ فِي اللِّبَاسِ.

قَوْلُهُ: (عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِضَمِّ الْجِيمِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، وَمَنْ رَوَاهُ فِيهَا بِالنُّونِ فَقَدْ صَحَّفَ، وَكَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ، عَنْ طَاوُسٍ بِالنُّونِ وَرُجِّحَتْ لِقَوْلِهِ: مِنْ حَدِيدٍ، وَالْجُنَّةُ فِي الْأَصْلِ الْحِصْنُ، وَسُمِّيَتْ بِهَا الدِّرْعُ لِأَنَّهَا تُجِنُّ صَاحِبَهَا أَيْ: تُحَصِّنُهُ، وَالْجُبَّةُ بِالْمُوَحَّدَةِ ثَوْبٌ مَخْصُوصٌ، وَلَا مَانِعَ مِنَ إِطْلَاقِهِ عَلَى الدِّرْعِ. وَاخْتُلِفَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا بِالْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (مِنْ ثُدَيِّهِمَا) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ ثَدْيٍ، وَ (تَرَاقِيهِمَا) بِمُثَنَّاةٍ وَقَافٍ جَمْعُ تَرْقُوَةٍ.

قَوْلُهُ: (سَبَغَتْ) أَيْ: امْتَدَّتْ وَغَطَّتْ.

قَوْلُهُ: (أَوْ وَفَرَتْ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَهُوَ بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ مِنَ الْوُفُورِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ: انْبَسَطَتْ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ: اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ. وَكُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ) أَيْ: تَسْتُرُ أَصَابِعَهُ، وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ: حَتَّى تُجِنَّ، بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَهِيَ بِمَعْنَى تُخْفِي، وَذَكَرَهَا الْخَطَّابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْبُخَارِيِّ كَرِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ، وَبَنَانُهُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَنُونَيْنِ، الْأُولَى خَفِيفَةٌ: الْإِصْبَعُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: ثِيَابُهُ بِمُثَلَّثَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ تَصْحِيفٌ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ: حَتَّى تُغَشِّيَ - بِمُعْجَمَتَيْنِ - أَنَامِلَهُ.

قَوْلُهُ: (وَتَعْفُو أَثَرَهُ) بِالنَّصْبِ أَيْ: تَسْتُرُ أَثَرَهُ، يُقَالُ: عَفَا الشَّيْءُ وَعَفَوْتُهُ أَنَا لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ، وَيُقَالُ: عَفَتِ الدَّارُ إِذَا غَطَّاهَا التُّرَابُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَسْتُرُ خَطَايَاهُ كَمَا يُغَطِّي الثَّوْبُ الَّذِي يُجَرُّ عَلَى الْأَرْضِ أَثَرَ صَاحِبِهِ إِذَا مَشَى بِمُرُورِ الذَّيْلِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (لَزِقَتْ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: انْقَبَضَتْ وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ: غَاصَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: قَلَصَتْ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَالْمُفَادُ وَاحِدٌ لَكِنَّ الْأُولَى نَظَرَ فِيهَا إِلَى صُورَةِ الضِّيقِ وَالْأَخِيرَةِ نَظَرَ فِيهَا إِلَى سَبَبِ الضِّيقِ، وَزَعَمَ ابْنُ التِّينِ أَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْبَخِيلَ يُكْوَى بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ النَّبِيُّ ﷺ لِلْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ، فَشَبَّهَهُمَا بِرَجُلَيْنِ أَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَلْبَسَ دِرْعًا يَسْتَتِرُ بِهِ مِنْ سِلَاحِ عَدُّوِهِ، فَصَبَّهَا عَلَى رَأْسِهِ لِيَلْبَسَهَا، وَالدُّرُوعُ أَوَّلُ مَا تَقَعُ عَلَى الصَّدْرِ وَالثَّدْيَيْنِ إِلَى أَنْ يُدْخِلَ الْإِنْسَانُ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهَا، فَجَعَلَ الْمُنْفِقَ كَمَنْ لَبِسَ دِرْعًا سَابِغَةً فَاسْتَرْسَلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى سَتَرَتْ جَمِيعَ بَدَنِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: حَتَّى تَعْفُوَ أَثَرَهُ؛ أَيْ: تَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ، وَجُعِلَ الْبَخِيلُ كَمَثَلِ رَجُلٍ غُلَّتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، كُلَّمَا أَرَادَ لُبْسَهَا اجْتَمَعَتْ فِي عُنُقِهِ فَلَزِمَتْ تَرْقُوَتَهُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: قَلَصَتْ؛ أَيْ: تَضَامَّتْ وَاجْتَمَعَتْ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْجَوَادَ إِذَا هَمَّ بِالصَّدَقَةِ انْفَسَحَ لَهَا صَدْرُهُ وَطَابَتْ نَفْسُهُ فَتَوَسَّعَتْ فِي الْإِنْفَاقِ، وَالْبَخِيلُ إِذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالصَّدَقَةِ شَحَّتْ نَفْسُهُ فَضَاقَ صَدْرُهُ وَانْقَبَضَتْ يَدَاهُ، ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ يَسْتُرُ الْمُنْفِقَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِخِلَافِ الْبَخِيلِ فَإِنَّهُ