عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ،
فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.
قَوْلُهُ: (بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: حَذَفَ وَصْفَ الْغَنَمِ بِالسَّائِمَةِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْخَبَرِ، إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذَا الْمَفْهُومَ أَوْ لِتَرَدُّدِهِ مِنْ جِهَةِ تَعَارُضِ وُجُوهِ النَّظَرِ فِيهِ عِنْدَهُ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ شَهِيرَةٌ، وَالرَّاجِحُ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ تُنَاسِبُ الْحُكْمَ مُنَاسَبَةَ الْعِلَّةِ لِمَعْلُولِهَا اعْتُبِرَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّوْمَ يُشْعِرُ بِخِفَّةِ الْمُؤْنَةَ وَدَرْءِ الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الْعَلَفِ فَالرَّاجِحُ اعْتِبَارُهُ هُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ) هُوَ عَمُّ الرَّاوِي عَنْهُ لِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ مُسَلْسَلٌ بِالْبَصْرِيِّينَ مِنْ آلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ فَقَالَ مَرَّةً: صَالِحٌ، وَمَرَّةً: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَوَّاهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالْعِجْلِيُّ، وَأَمَّا النَّسَائِيُّ فَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ فِي أَكْثَرِ حَدِيثِهِ. انْتَهَى، وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى حَدِيثِهِ هَذَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، فَرَوَاهُ عَنْ ثُمَامَةَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ كِتَابًا زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَهُ لِأَنَسٍ، وَعَلَيْهِ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: أَخَذْتُ هَذَا الْكِتَابَ مِنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرَهُ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخَذْنَا هَذَا الْكِتَابَ مِنْ ثُمَامَةَ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَذَكَرَهُ، فَوَضَحَ أَنَّ حَمَّادًا سَمِعَهُ مِنْ ثُمَامَةَ وَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ فَانْتَفَى تَعْلِيلُ مَنْ أَعَلَّهُ بِكَوْنِهِ مُكَاتَبَةً، وَانْتَفَى تَعْلِيلُ مَنْ أَعَلَّهُ بِكَوْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ﵁ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرِينِ) أَيْ: عَامِلًا عَلَيْهَا، وَهِيَ اسْمٌ لِإِقْلِيمٍ مَشْهُورٍ يَشْتَمِلُ عَلَى مُدُنٍ مَعْرُوفَةٍ قَاعِدَتُهَا هَجَرُ، وَهَكَذَا يَنْطِقُ بِهِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ بَحْرَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إِثباتِ الْبَسْمَلَةِ فِي ابْتِدَاءِ الْكُتُبِ، وَعَلَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْحَمْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
قَوْلُهُ: (هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ) أَيْ: نُسْخَةُ فَرِيضَةِ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَفِيهِ أَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ يَقَعُ عَلَى الزَّكَاةِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) ظَاهِرٌ فِي رَفْعِ الْخَبَرِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِرَفْعِهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا، وَمَعْنَى فَرَضَ هُنَا أَوْجَبَ أَوْ شَرَعَ؛ يَعْنِي بأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قُدِّرَ، لِأَنَّ إِيجَابَهَا ثَابِتٌ فِي الْكِتَابِ، فَفَرْضُ النَّبِيِّ ﷺ لَهَا بَيَانُهُ لِلْمُجْمَلِ مِنَ الْكِتَابِ بِتَقْدِيرِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَجْنَاسِ، وَأَصْلُ الْفَرْضِ قَطْعُ الشَّيْءِ الصُّلْبِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي التَّقْدِيرِ لِكَوْنِهِ مُقْتَطَعًا مِنَ الشَّيْءِ الَّذِي يُقَدَّرُ مِنْهُ، وَيَرِدُ بِمَعْنَى الْبَيَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ وَبِمَعْنَى الْإِنْزَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ﴾ وَبِمَعْنَى الْحِلِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْرُجُ مِنْ مَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَوَقَعَ اسْتِعْمَالُ الْفَرْضِ بِمَعْنَى اللُّزُومِ حَتَّى كَادَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ أَيْضًا عَنْ مَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَقَدْ قَالَ الرَّاغِبُ: كُلُّ شَيْءٍ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ فَرَضَ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَرَضَ لَهُ فَهُوَ بِمَعْنَى لَمْ يُحَرِّمْهُ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ﴾ أَيْ: أَوْجَبَ عَلَيْكَ الْعَمَلَ بِهِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ: إِنَّ الْفَرْضَ مُرَادِفٌ لِلْوُجُوبِ، وَتَفْرِيقُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ بِاعْتِبَارِ مَا يَثْبُتَانِ بِهِ لَا مُشَاحَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي حَمْلِ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّفْظَ السَّابِقَ لَا يُحْمَلُ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الْحَادِثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُسْلِمِينَ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ