للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْأَرْضَ بِالْحِرَاثَةِ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: أَخَّرَ زَكَاةَ الْبَقَرِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ النَّعَمِ وُجُودًا وَنَصْبًا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ شَيْئًا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِنِصَابِهَا لِكَوْنِ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ عَلَى شَرْطِهِ، فَتَقْدِيرُ التَّرْجَمَةِ إِيجَابُ زَكَاةِ الْبَقَرِ، لِأَنَّ جُمْلَةَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِهَا، إِذْ لَا يَتَوَعَّدُ عَلَى تَرْكِ غَيْرِ الْوَاجِبِ. قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: وَهَذَا الدَّلِيلُ يَحْتَاجُ إِلَى مُقَدِّمَةٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَقَرِ حَقٌّ وَاجِبٌ سِوَى الزَّكَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الزَّكَاةِ حَيْثُ قَالَ: بَابُ إِثْمِ مَانِعِ الزَّكَاةِ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْبَقَرِ، وَمِنْ ثَمَّ أَوْرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ ذِكْرَ الْبَقَرِ وَقَعَ أَيْضًا فِي طَرِيقٍ أُخْرَى فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَزَعَمَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ الْمَرْفُوعَ: إِنَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً. مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ، وَإنَّ مِثْلَهُ فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ: أَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ فَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ.

وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَفِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا وَإِنَّمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ لِشَوَاهِدِهِ، فَفِي الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ، عَنْ مُعَاذٍ نَحْوُهُ، وَطَاوُسٌ، عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا، وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ مِثْلَهُ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَوَهِمَ مِنْهُ لِأَنَّ ذِكْرَ الْبَقْرِ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، نَعَمْ هُوَ فِي كِتَابِ عُمَرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ) هُوَ السَّاعِدِيُّ، وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مَوْصُولًا مِنْ طُرُقٍ، وَهَذَا الْقَدْرُ وَقَعَ عِنْدَهُ مَوْصُولًا فِي كِتَابِ تَرْكِ الْحِيَلِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (لَأَعْرِفَنَّ) أَيْ: لَأَعْرِفَنَّكُمْ غَدًا هَذِهِ الْحَالَةَ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: لَا أَعْرِفَنَّ بِحَرْفِ النَّفْيِ أَيْ: مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فَأَعْرِفَكُمْ بِهَا.

قَوْلُهُ: (مَا جَاءَ اللَّهَ رَجُلٌ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: مَجِيءُ رَجُلٍ إِلَى اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (لَهَا خُوَارٌ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ: صَوْتُ الْبَقَرِ.

قَوْلُهُ: (وَيُقَالُ: جُؤَارٌ) هَذَا كَلَامُ الْبُخَارِيِّ، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ جَاءَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ، وَبِالْجِيمِ وَالْوَاوِ الْمَهْمُوزَةِ، ثُمَّ فَسَّرَهُ، فَقَالَ: تَجْأَرُونَ تَرْفَعُونَ أَصْوَاتَكُمْ، وَهَذِهِ عَادَةُ الْبُخَارِيِّ إِذَا مَرَّتْ بِهِ لَفْظَةٌ غَرِيبَةٌ تُوَافِقُ كَلِمَةً فِي الْقُرْآنِ نَقَلَ تَفْسِيرَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي مِنَ الْقُرْآنِ، وَالتَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ، وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَجْأَرُونَ قَالَ: يَسْتَغِيثُونَ. وَقَالَ الْقَزَّازُ: الْخُوَارُ بِالْمُعْجَمَةِ، وَالْجُؤَارُ بِالْجِيمِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْبَقَرِ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: خَارَ الرَّجُلُ: رَفَعَ صَوْتَهُ بِتَضَرُّعٍ.

قَوْلُهُ: (عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ) هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ) هُوَ مَقُولُ الْمَعْرُورِ، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ الْحَالِفُ، وَقَوْلُهُ: (أَوْ كَمَا حَلَفَ) يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَضْبُطِ اللَّفْظَ الَّذِي حَلَفَ بِهِ. وَقَوْلُهُ: أَعْظَمَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ (وَأَسْمَنَهُ) عَطَفَهُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (جَازَتْ) أَيْ: مَرَّتْ، وَ (رُدَّتْ) أَيْ: أُعِيدَتْ.

قَوْلُهُ: (لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ: لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا؛ وَهُوَ أَصْرَحُ فِي مَقْصُودِ التَّرْجَمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ الْمَتْنِ فِي أَوَائِلِ الزَّكَاةِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: يَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ عَلَى اسْتِوَاءِ زَكَاةِ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ فِي النِّصَابِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ قَرَنَ مَعَهُ الْغَنَمَ وَلَيْسَ نِصَابُهَا مِثْلَ نِصَابِ الْإِبِلِ اتِّفَاقًا.

(تَنْبِيهٌ): أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ قِصَّةً فِيهَا: هُمُ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا. وَقَدْ أَفْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الْقِطْعَةَ فَأَخْرَجَهَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَاكَ الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا.

قَوْلُهُ: (رَوَاهُ بُكَيْرٌ) يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، وَمُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِذَلِكَ مُوَافَقَةُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي ذِكْرِ الْبَقَرِ، لِأَنَّ الْحَدِيثَيْنِ مُسْتَوَيَانِ فِي جَمِيعِ مَا وَرَدَا فِيهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مُطَوَّلًا.