للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (بَابُ الِاسْتِعْفَافِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ: فِي شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ.

وَذَكَرَ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ: أَحَدُهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ) لَمْ يَتَعَيَّنْ لِي أَسْمَاؤُهُمْ، إِلَّا أَنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ خُوطِبَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ فَفِي حَدِيثِهِ: سَرَّحَتْنِي أُمِّي إِلَى النَّبِيِّ يَعْنِي لِأَسْأَلَهُ مِنْ حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ، فَأَتَيْتُهُ وَقَعَدْتُ، فَاسْتَقْبَلَنِي فَقَالَ: مَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ. الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ: وَمَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ فَقَدْ أَلْحَفَ. فَقُلْتُ: نَاقَتِي خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ. وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: أَنَّهُ مِمَّنْ خُوطِبَ بِبَعْضِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ أَنْصَارِيًّا إِلَّا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ.

قَوْلُهُ: (فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ) أَيْ: أَحْبِسُهُ وَأَخْبَؤُهُ وَأَمْنَعُكُمْ إِيَّاهُ مُنْفَرِدًا بِهِ عَنْكُمْ، وَفِيهِ: مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ السَّخَاءِ وَإِنْفَاذِ أَمْرِ اللَّهِ، وَفِيهِ: إِعْطَاءُ السَّائِلِ مَرَّتَيْنِ، وَالِاعْتِذَارُ إِلَى السَّائِلِ، وَالْحَضُّ عَلَى التَّعَفُّفِ. وَفِيهِ جَوَازُ السُّؤَالِ لِلْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ وَالصَّبْرَ حَتَّى يَأْتِيَهُ رِزْقُهُ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ.

وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَسْتَعِفَّ.

ثَانِيهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بِمَعْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ زِيَادَةٌ: فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ. وَذَلِكَ مُرَادٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَأْتِي رَجُلًا. وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ يَسْأَلُ النَّاسَ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَزَادَ فِي أَوَّلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ فَفِيهِ الْقَسَمُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَقْطُوعِ بِصِدْقِهِ لِتَأْكِيدِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ، وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْهَا وَلَوِ امْتَهَنَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَارْتَكَبَ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْلَا قُبْحُ الْمَسْأَلَةِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَمْ يُفَضَّلْ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى السَّائِلِ مَنْ ذُلِّ السُّؤَالِ وَمِنْ ذُلِّ الرَّدِّ إِذَا لَمْ يُعْطَ وَلِمَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَسْئُولِ مِنَ الضِّيقِ فِي مَالِهِ إِنْ أَعْطَى كُلَّ سَائِلٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: خَيْرٌ لَهُ) فَلَيْسَتْ بِمَعْنَى أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، إِذْ لَا خَيْرَ فِي السُّؤَالِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِسَابِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ سُؤَالَ مَنْ هَذَا حَالُهُ حَرَامٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ فِيهِ بِحَسَبِ اعْتِقَادِ السَّائِلِ وَتَسْمِيَتِهِ الَّذِي يُعْطَاهُ خَيْرًا، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ شَرٌّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثَالِثُهَا: حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ:

قَوْلُهُ: (إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ) أَنَّثَ الْخَبَرَ لِأَنَّ الْمُرَادَ الدُّنْيَا.

قَوْلُهُ: (خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ) شَبَّهَهُ - بِالرَّغْبَةِ فِيهِ، وَالْمَيْلِ إِلَيْهِ، وَحِرْصِ النُّفُوسِ عَلَيْهِ - بِالْفَاكِهَةِ الْخَضْرَاءِ الْمُسْتَلَذَّةِ، فَإِنَّ الْأَخْضَرَ مَرْغُوبٌ فِيهِ عَلَى انْفِرَادِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْيَابِسِ، وَالْحُلْوَ مَرْغُوبٌ فِيهِ عَلَى انْفِرَادِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَامِضِ، فَالْإِعْجَابُ بِهِمَا إِذَا اجْتَمَعَا أَشَدُّ.

قَوْلُهُ: (بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ) أَيْ: بِغَيْرِ شَرَهٍ وَلَا إِلْحَاحٍ؛ أَيْ: مَنْ أَخْذَهُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِذِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُعْطِي؛ أَيْ: بِسَخَاوَةِ نَفْسِ الْمُعْطِي؛ أَيْ: انْشِرَاحِهِ بِمَا يُعْطِيهِ.

قَوْلُهُ: (كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) أَيْ: الَّذِي يُسَمَّى جُوعُهُ كَذَّابًا، لِأَنَّهُ مِنْ عِلَّةٍ بِهِ وَسَقَمٍ، فَكُلَّمَا أَكَلَ ازْدَادَ سَقَمًا وَلَمْ يَجِدْ شِبَعًا.

قَوْلُهُ: (الْيَدُ الْعُلْيَا) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابٌ: لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى.

قَوْلُهُ: (لَا أَرْزَأُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ أَيْ: لَا أَنْقُصُ مَالَهُ بِالطَّلَبِ مِنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِإِسْحَاقَ: قُلْتُ: فَوَاللَّهِ لَا تَكُونُ يَدَيَّ بَعْدَكَ تَحْتَ يَدٍ مِنْ أَيْدِي الْعَرَبِ. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ حَكِيمٌ مِنْ أَخْذِ الْعَطَاءِ مَعَ أَنَّهُ حَقُّهُ لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَيَعْتَادَ الْأَخْذَ فَتَتَجَاوَزَ بِهِ نَفْسُهُ إِلَى مَا لَا يُرِيدُهُ، فَفَطَمَهَا عَنْ ذَلِكَ، وَتَرَكَ مَا يَرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يَرِيبُهُ، وَإِنَّمَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ عُمَرَ، لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَنْسُبَهُ أَحَدٌ لَمْ يَعْرِفْ بَاطِنَ الْأَمْرِ إِلَى مَنْعِ حَكِيمٍ مِنْ حَقِّهِ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى تُوُفِّيَ) زَادَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ مُرْسَلًا أَنَّهُ مَا أَخَذَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا مُعَاوِيَةَ دِيوَانًا وَلَا غَيْرَهُ حَتَّى مَاتَ لِعَشْرِ سِنِينَ مَعَ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ.

قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: فِي حَدِيثِ حَكِيمٍ فَوَائِدُ:

مِنْهَا: أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ الزُّهْدُ مَعَ الْأَخْذِ، فَإِنَّ سَخَاوَةَ النَّفْسِ هُوَ زُهْدُهَا، تَقُولُ: سَخَتْ بِكَذَا؛ أَيْ: جَادَتْ. وَسَخَتْ عَنْ كَذَا؛ أَيْ: لَمْ