وَالْمَمْلُوكِ، لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَرَادَ أَنَّ زَكَاةَ الْعَبْدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَالٌ لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ نَفْسٌ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: غَرَضُهُ مِنَ الْأُولَى أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تُخْرَجُ عَنْ كَافِرٍ، وَلِهَذَا قَيَّدَهَا بِقَوْلِهِ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَغَرَضُهُ مِنْ هَذِهِ تَمْيِيزُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ عَنْهُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَلِذَلِكَ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ. . . إِلَخْ) وَصَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى إِسْنَادِهِ، وَذَكَرَ بَعْضَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمَمْلُوكِ زَكَاةٌ وَلَا يُزَكِّي عَنْهُ سَيِّدُهُ إِلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ. وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنِ الزُّهْرِيِّ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ: لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ التِّجَارَةِ، لِأَنَّ عَلَيْهِ فِيهِمُ الزَّكَاةَ، وَلَا تَجِبُ فِي مَالٍ وَاحِدٍ زَكَاتَانِ.
قَوْلُهُ: (فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي التَّمْرَ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُخْرِجُ إِلَّا التَّمْرَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ شَعِيرًا وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَعْطَى أَعْطَى التَّمْرَ إِلَّا عَامًا وَاحِدًا.
قَوْلُهُ: (فَأَعْوَزَ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ؛ أَيِ احْتَاجَ، يُقَالُ: أَعْوَزَنِي الشَّيْءُ إِذَا احْتَجْتُ إِلَيْهِ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّمْرَ أَفْضَلُ مَا يُخْرَجُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَقَدْ رَوَى جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: قَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ، وَالْبُرُّ أَفْضَلُ مِنَ التَّمْرِ ; أَفَلَا تُعْطِي الْبُرَّ؟ قَالَ: لَا أُعْطِي إِلَّا كَمَا كَانَ يُعْطِي أَصْحَابِي وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ مِنْ أَعْلَى الْأَصْنَافِ الَّتِي يُقْتَاتُ بِهَا؛ لِأَنَّ التَّمْرَ أَعْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ فَهِمَ مِنْهُ خُصُوصِيَّةَ التَّمْرِ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى إِنْ كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ) زَادَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَعْنِي بَنِي نَافِعٍ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: رُوِيَ بِفَتْحِ أَنْ وَكَسْرِهَا، وَشَرْطُ الْمَفْتُوحَةِ قَدْ، وَشَرْطُ الْمَكْسُورَةِ اللَّامُ، فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَذْفِ أَوْ تَكُونَ أَنْ مَصْدَرِيَّةً، وَكَانَ زَائِدَةً. وَقَوْلُ نَافِعٍ هَذَا هُوَ شَاهِدُ التَّرْجَمَةِ، وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ، فَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَوْلَادُ نَافِعٍ إِنْ كَانَ رِزْقُهُمْ وَهُوَ بَعْدُ فِي الرِّقِّ فَلَا إِشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ رِزْقُهُمْ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَ فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ، أَوْ كَانَ يَرَى وُجُوبَهَا عَلَى جَمِيعِ مَنْ يُمَوِّنُهُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مَمْلُوكٍ لَهُ فِي أَرْضِهِ وَغَيْرِ أَرْضِهِ، وَعَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ يَعُولُهُ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَعَنْ رَقِيقِ امْرَأَتِهِ، وَكَانَ لَهُ مُكَاتَبٌ فَكَانَ لَا يُؤَدِّي عَنْهُ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلِّهِمْ حُرِّهِمْ وَعَبْدِهِمْ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ مِنَ الرَّقِيقِ. وَهَذَا يُقَوِّي بَحْثَ ابْنِ رَشِيدٍ الْمُتَقَدِّمَ، وَقَدْ حَمَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي عَنِ الْكَافِرِ مِنْهُمْ تَطَوُّعًا.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِيهَا لِلَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا) أَيِ الَّذِي يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ لِقَبْضِهَا، وبِهِ جَزَمَ ابْنُ بَطَّالٍ. وَقَالَ ابْنُ التَّيْمِيِّ: مَعْنَاهُ مَنْ قَالَ: أَنَا فَقِيرٌ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ عَقِبَ الْحَدِيثِ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ: كَانُوا يُعْطُونَ لِلْجَمْعِ لَا لِلْفُقَرَاءِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ: قُلْتُ مَتَى كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي؟ قَالَ: إِذَا قَعَدَ الْعَامِلُ. قُلْتُ مَتَى يَقْعُدُ الْعَامِلُ؟ قَالَ: قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي يُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ. وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ، وَقَالَ: هَذَا حَسَنٌ، وَأَنَا أَسْتَحِبُّهُ - يَعْنِي تَعْجِيلَهَا قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ -. انْتَهَى. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْوَكَالَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute