[الحديث ١٥٢٠ - أطرافه في: ١٨٦١، ٢٧٨٤، ٢٨٧٥، ٢٨٧٦]
١٥٢١ - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"
[الحديث ١٥٢١ - أطرافه في: ١٨١٩، ١٨٢٠]
قَوْلُهُ: (بَابُ فَضْلِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ) قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: الْمَبْرُورُ الْمَقْبُولُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنَ الْإِثْمِ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْأَقْوَالُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي تَفْسِيرِهِ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى، وَهِيَ أَنَّهُ الْحَجُّ الَّذِي وُفِّيَتْ أَحْكَامُهُ وَوَقَعَ مَوْقِعًا لِمَا طُلِبَ مِنَ الْمُكَلَّفِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ أُخَرُ مَعَ مَبَاحِثِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فِي بَابِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ، مِنْهَا أَنَّهُ يَظْهَرُ بِآخِرِهِ، فَإِنْ رَجَعَ خَيْرًا مِمَّا كَانَ عُرِفَ أَنَّهُ مَبْرُورٌ. وَلِأَحْمَدَ وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بِرُّ الْحَجِّ؟ قَالَ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ. وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، فَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ دُونَ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ) هُوَ الْعَيْشِيُّ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَصْرِيٌّ وَلَيْسَ أَخًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمَرْوَزِيِّ الْفَقِيهِ الْمَشْهُورِ، وَشَيْخُهُ خَالِدٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ.
قَوْلُهُ: (نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ) وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ، أَيْ نَعْتَقِدُ وَنَعْلَمُ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا يُسْمَعُ مِنْ فَضَائِلِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ رَوَاهُ جَرِيرٌ، عَنْ صُهَيْبٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ: فَإِنِّي لَا أَرَى عَمَلًا فِي الْقُرْآنِ أَفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ.
قَوْلُهُ: (لَكُنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ) اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ لَكُنَّ فَالْأَكْثَرُ بِضَمِّ الْكَافِ خِطَابٌ لِلنِّسْوَةِ، قَالَ الْقَابِسِيُّ: وَهُوَ الَّذِي تَمِيلُ إِلَيْهِ نَفْسِي. وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ لَكِنْ بِكَسْرِ الْكَافِ وَزِيَادَةِ أَلِفٍ قَبْلَهَا بِلَفْظِ الِاسْتِدْرَاكِ، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ فَائِدَةً، لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى إِثْبَاتِ فَضْلِ الْحَجِّ وَعَلَى جَوَابِ سُؤَالِهَا عَنِ الْجِهَادِ، وَسَمَّاهُ جِهَادًا لِمَا فِيهِ مِنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي بَابِ حَجِّ النِّسَاءِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ هُنَا كَوْنُهُ جَعَلَ الْحَجَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ:
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ) هُوَ سَلْمَانُ، وَأَمَّا أَبُو حَازِمٍ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ صَاحِبُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَيَّارٍ، أَبُو الْحَكَمِ الرَّاوِي عَنْهُ بِتَقْدِيمِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (مَنْ حَجَّ لِلَّهِ) فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْآتِيَةِ قُبَيْلَ جَزَاءِ الصَّيْدِ: مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ جُرَيْجٍ، عَنْ مَنْصُورٍ: مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ. وَهُوَ يَشْمَلُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ بِلَفْظِ: مَنْ حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ لَكِنْ فِي الْإِسْنَادِ إِلَى الْأَعْمَشِ ضَعْفٌ.
قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَرْفُثْ) الرَّفَثُ الْجِمَاعُ، وَيُطْلَقُ عَلَى التَّعْرِيضِ بِهِ وَعَلَى الْفُحْشِ فِي الْقَوْلِ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الرَّفَثُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرَّجُلُ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَخُصُّهُ بِمَا خُوطِبَ بِهِ النِّسَاءُ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هَذَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ﴾ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْجِمَاعُ. انْتَهَى. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَيْهِ نَحَا الْقُرْطُبِيُّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الصِّيَامِ: فَإِذَا كَانَ صَوْمُ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثُ.
(فَائِدَةٌ): فَاءُ الرَّفَثِ مُثَلَّثَةٌ فِي الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ، وَالْأَفْصَحُ الْفَتْحُ فِي الْمَاضِي، وَالضَّمُّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَفْسُقْ) أَيْ لَمْ يَأْتِ بِسَيِّئَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ، وَأَغْرَبَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: إِنَّ لَفْظَ الْفِسْقِ لَمْ يُسْمَعْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا فِي أَشْعَارِهِمْ، وَإِنَّمَا هُوَ إِسْلَامِيٌّ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْقُرْآنِ، وَحِكَايَتُهُ عَمَّنْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَصْلُهُ انْفَسَقَتِ الرُّطَبَةُ إِذَا خَرَجَتْ، فَسُمِّيَ الْخَارِجُ عَنِ الطَّاعَةِ فَاسِقًا.
قَوْلُهُ: (رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) أَيْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ،