أَيْ عَائِشَةُ (لَا تَلَثَّمْ) بِمُثَنَّاةِ وَاحِدَةٍ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ: تَلْتَثِمُ؛ بِسُكُونِ اللَّامِ وَزِيَادَةِ مُثَنَّاةٍ بَعْدَهَا، أَيْ لَا تُغَطِّي شَفَتَهَا بِثَوْبٍ، وَقَدْ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ مِنَ الْأَصْلِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تُسْدِلُ الْمَرْأَةُ جِلْبَابَهَا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا. وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ قَالَا: لَا تَلْبَسِ الْمُحْرِمَةُ الْقُفَّازَيْنِ وَالسَّرَاوِيلَ، وَلَا تُبَرْقِعْ وَلَا تَلَثَّمْ، وَتَلْبَسُ مَا شَاءَتْ مِنَ الثِّيَابِ إِلَّا ثَوْبًا يَنْفُضُ عَلَيْهَا وَرْسًا أَوْ زَعْفَرَانًا. وَهَذَا يُشْبِهُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ عَنْ عَائِشَةَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ جَابِرٌ)؛ أَيِ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّحَابِيُّ.
قَوْلُهُ: (لَا أَرَى الْمُعَصْفَرَ طِيبًا)؛ أَيْ تَطَيُّبًا. وَصَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَمُسَدَّدٌ بِلَفْظِ: لَا تَلْبَسُ الْمَرْأَةُ ثِيَابَ الطِّيبِ، وَلَا أَرَى الْمُعَصْفَرَ طِيبًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ بَأْسًا بِالْحُلِيِّ وَالثَّوْبِ الْأَسْوَدِ وَالْمُوَرَّدِ وَالْخُفِّ لِلْمَرْأَةِ) وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ بَابَاهُ الْمَكِّيُّ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ: مَا تَلْبَسُ الْمَرْأَةُ فِي إِحْرَامِهَا؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: تَلْبَسُ مِنْ خَزِّهَا وَبَزِّهَا وَأَصْبَاغِهَا وَحُلِيِّهَا. وَأَمَّا الْمُوَرَّدُ - وَالْمُرَادُ مَا صُبِغَ عَلَى لَوْنِ الْوَرْدِ - فَسَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي: بَابِ طَوَافِ النِّسَاءِ فِي آخِرِ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَمَّا الْخُفُّ فَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَلْبَسُ الْمَخِيطَ كُلَّهُ وَالْخِفَافَ، وَأَنَّ لَهَا أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا وَتَسْتُرَ شَعْرَهَا إِلَّا وَجْهَهَا فَتَسْدُلُ عَلَيْهِ الثَّوْبَ سَدْلًا خَفِيفًا تستتر بِهِ عَنْ نَظَرِ الرِّجَالِ. وَلَا تُخَمِّرْهُ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ قَالَتْ: كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ؛ تَعْنِي جَدَّتَهَا. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّخْمِيرُ سَدْلًا كَمَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا مَرَّ بِنَا رَكْبٌ سَدَلْنَا الثَّوْبَ عَلَى وُجُوهِنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا جَاوَزْنَا رَفَعْنَاهُ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ هُوَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْهَا، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ)؛ أَيِ النَّخَعِيُّ.
قَوْلُهُ: (لَا بَأْسَ أَنْ يُبَدِّلَ ثِيَابَهُ) وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ؛ كِلَاهُمَا عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَيُونُسَ، أَمَّا مُغِيرَةُ فَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا عَبْدُ الْمَلِكِ فَعَنْ عَطَاءٍ، وَأَمَّا يُونُسُ فَعَنِ الْحَسَنِ؛ قَالُوا: يُغَيِّرُ الْمُحْرِمُ ثِيَابَهُ مَا شَاءَ، لَفْظُ سَعِيدٍ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا أَنْ يُبَدِّلَ الْمُحْرِمُ ثِيَابَهُ. قَالَ سَعِيدٌ: وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا إِذَا أَتَوْا بِئْرَ مَيْمُونٍ اغْتَسَلُوا وَلَبِسُوا أَحْسَنَ ثِيَابِهِمْ فَدَخَلُوا فِيهَا مَكَّةَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ) هُوَ بِالتَّصْغِيرِ.
قَوْلُهُ: (تَرَجَّلَ)؛ أَيْ سَرَّحَ شَعْرَهُ.
قَوْلُهُ: (وَادَّهَنَ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ الزَّيْتَ وَالشَّحْمَ وَالسَّمْنَ وَالشَّيْرَجَ وَأَنْ يَسْتَعْمِلَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ سِوَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الطِّيبَ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي بَدَنِهِ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ الطِّيبِ وَالزَّيْتِ فِي هَذَا، فَقِيَاسُ كَوْنِ الْمُحْرِمِ مَمْنُوعًا عنِ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ أَنْ يُبَاحَ لَهُ اسْتِعْمَالُ الزَّيْتِ فِي رَأْسِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ قَبْلُ بِأَبْوَابٍ.
قَوْلُهُ: (الَّتِي تَرْدَعُ) بِالْمُهْمَلَةِ؛ أَيْ تُلَطَّخُ. يُقَالُ: رَدَعَ، إِذَا الْتَطَخَ، وَالرَّدْعُ أَثَرُ الطِّيبِ، وَرَدَعَ بِهِ الطِّيبُ إِذَا لَزِقَ بِجِلْدِهِ. قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: وَقَدْ رُوِيَ بِالْمُعْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَرْدَغَتِ الْأَرْضُ؛ إِذَا كَثُرَتْ مَنَاقِعُ الْمِيَاهِ فِيهَا، وَالرَّدْغُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الطِّينُ، انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ ضَبْطُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَلَا تَعَرَّضَ لَهَا عِيَاضٌ وَلَا ابْنُ قُرْقُولٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ تُرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الصَّوَابُ حَذْفُ عَلَى، كَذَا قَالَ، وَإِثْبَاتُهَا مُوَجَّهٌ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ)؛ أَيْ وَصَلَ إِلَيْهَا نَهَارًا ثُمَّ بَاتَ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي صَرِيحًا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ) تَقَدَّمَ نَقْلُ الْخِلَافِ