كَذَلِكَ. وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ فَقَالَ: لَبَّيْكَ. . . الْحَدِيثَ. وَلِلْمُصَنِّفِ فِي اللِّبَاسِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُهِلُّ مُلَبِّدًا، يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. . . الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِي آخِرِهِ: لَا يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ عُمَرُ يُهِلُّ بِهَذَا وَيَزِيدُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ. وَهَذَا الْقَدْرُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ أَيْضًا عَنْدَهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ فِيهَا، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، فَعُرِفَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِأَبِيهِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: كَانَتْ تَلْبِيَةُ عُمَرَ فَذَكَرَ مِثْلَ الْمَرْفُوعِ، وَزَادَ: لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إِلَيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ.
اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي ذَلِكَ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَةِ، غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: لَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا مِنَ الذِّكْرِ لِلَّهِ مَا أَحَبَّ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، قَالَ: كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ. وَبِزِيَادَةِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورَةِ، وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَى مَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ كَمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ، ثُمَّ فَعَلَهُ هُوَ وَلَمْ يَقُلْ لَبُّوا بِمَا شِئْتُمْ مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِ هَذَا، بَلْ عَلَّمَهُمْ كَمَا عَلَّمَهُمُ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ، فَكَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَدَّى فِي ذَلِكَ شَيْئًا مِمَّا عَلَّمَهُ. ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَذُو الْمَعَارِجِ، وَمَا هَكَذَا كُنَّا نُلَبِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: فَهَذَا سَعْدٌ قَدْ كَرِهَ الزِّيَادَةَ فِي التَّلْبِيَةِ، وَبِهِ نَأْخُذُ، انْتَهَى. وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مَا وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ ﷺ.
فَذَكَرَهُ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يُلَبِّي بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ غَفَّارَ الذُّنُوبِ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ الْحَجِّ: حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. . . إِلَخْ. قَالَ: وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ تَلْبِيَتُهُ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ مُسْلِمٌ، قَالَ: وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوَهُ مِنَ الْكَلَامِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَسْمَعُ فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا. وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ: ذَا الْمَعَارِجِ وَذَا الْفَوَاضِلِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى التَّلْبِيَةِ الْمَرْفُوعَةِ أَفْضَلُ لِمُدَاوَمَتِهِ هُوَ ﷺ عَلَيْهَا، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِمْ وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَبِهِ صَرَّحَ أَشْهَبُ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهَةَ، قَالَ: وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: حَكَى أَهْلُ الْعِرَاقِ عَنِ الشَّافِعِيِّ - يَعْنِي فِي الْقَدِيمِ - أَنَّهُ كَرِهَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَرْفُوعِ، وَغَلِطُوا، بَلْ لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ. وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: فَإِنْ زَادَ فِي التَّلْبِيَةِ شَيْئًا مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ، وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَفِظَ التَّلْبِيَةَ عَنْهُ، ثُمَّ زَادَ مِنْ قِبَلِهِ زِيَادَةً.
وَنَصَبَ الْبَيْهَقِيُّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ فَقَالَ: الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَرْفُوعِ أَحَبُّ، وَلَا ضِيقَ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا. قَالَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ زَادَ فَحَسَنٌ. وَحَكَى فِي الْمَعْرِفَةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: وَلَا ضِيقَ عَلَى أَحَدٍ فِي قَوْلِ مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ، غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِيَارِ عِنْدِي أَنْ يُفْرِدَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَهَذَا أَعْدَلُ الْوُجُوهِ، فَيُفْرِدُ مَا جَاءَ مَرْفُوعًا، وَإِذَا اخْتَارَ قَوْلَ مَا جَاءَ مَوْقُوفًا أَوْ أَنْشَأَهُ هُوَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute