حَصَاةٍ.
قَوْلُهُ. (وَتُبْ عَلَيْنَا)، قِيلَ: طَلَبَا الثَّبَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ، لِأَنَّهُمَا مَعْصُومَانِ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ مَكَانُ التَّوْبَةِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَتُبْ عَلَى مَنِ اتَّبَعَنَا.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الْجُعْفِيُّ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ بِوَاسِطَةٍ.
قَوْلُهُ: (لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ) هَذَا مِنْ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ لِأَنَّ جَابِرًا لَمْ يُدْرِكْ هَذِهِ الْقِصَّةَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَوْ مِمَّنْ حَضَرَهَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا: هَلْ يَقُومُ الرَّجُلُ عُرْيَانًا؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ لَمَّا انْهَدَمَتِ الْكَعْبَةُ نَقَلَ كُلُّ بَطْنٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَقَلَ مَعَ الْعَبَّاسِ، وَكَانُوا يَضَعُونَ ثِيَابَهُمْ عَلَى الْعَوَاتِقِ يَتَقَوَّوْنَ بِهَا - أَيْ عَلَى حَمْلِ الْحِجَارَةِ - فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَاعْتَقَلَتْ رِجْلِي، فَخَرَرْتُ وَسَقَطَ ثَوْبِي، فَقُلْتُ لِلْعَبَّاسِ: هَلُمَّ ثَوْبِي، فَلَسْتُ أَتَعَرَّى بَعْدَهَا إِلَّا إِلَى الْغُسْلِ لَكِنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا، وَإِلَّا فَقَدْ حَضَرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْعَبَّاسُ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ، فَلَعَلَّ جَابِرًا حَمَلَهُ عَنْهُ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، وَالطَّبَرِيُّ فِي التَّهْذِيبِ مِنْ طَرِيقِ هَارُونَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَفِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: لَمَّا بَنَتْ قُرَيْشٌ الْكَعْبَةَ انْفَرَدَتْ رَجُلَيْنِ رَجُلَيْنِ يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ، فَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَخِي، جَعَلْنَا نَأْخُذُ أُزُرَنَا فَنَضَعُهَا عَلَى مَنَاكِبِنَا، وَنَجْعَلَ عَلَيْهَا الْحِجَارَةَ، فَإِذَا دَنَوْنَا مِنَ النَّاسِ لَبِسْنَا أُزُرَنَا، فَبَيْنَمَا هُوَ أَمَامِي إِذْ صُرِعَ، فَسَعَيْتُ وَهُوَ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ أَخِي: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: نُهِيتُ أَنْ أَمْشِيَ عُرْيَانًا، قَالَ: فَكَتَمْتُهُ حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ نُبُوَّتَهُ. تَابَعَهُ الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا، وَرَوَى ذَلِكَ أَيْضًا منْ طَرِيقِ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَيْسَ فِيهِ الْعَبَّاسُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ رَأَى مِنَ النُّبُوَّةِ وَالنَّضْرُ ضَعِيفٌ، وَقَدْ خَبَطَ فِي إِسْنَادِهِ وَفِي مَتْنِهِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْقِصَّةَ فِي مُعَالَجَةِ زَمْزَمَ بِأَمْرِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ غُلَامٌ، وَكَذَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: إِنِّي لَمَعَ غِلْمَانٍ هُمْ أَسْنَانِي، قَدْ جَعَلْنَا أُزُرَنَا عَلَى أَعْنَاقِنَا لِحِجَارَةٍ نَنْقُلُهَا إِذْ لَكَمَنِي لَاكِمٌ لَكَمَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: اشْدُدْ عَلَيْكَ إِزَارَكَ.
فَكَأَنَّ هَذِهِ قِصَّةٌ أُخْرَى، وَاغْتَرَّ بِذَلِكَ الْأَزْرَقِيُّ فَحَكَى قَوْلًا: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ كَانَ غُلَامًا. وَلَعَلَّ عُمْدَتَهُ فِي ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلِحَدِيثِ مَعْمَرٍ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْحَاكِمُ، وَالطَّبَرَانِيِّ، قَالَ: كَانَتِ الْكَعْبَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَبْنِيَّةٌ بِالرَّضْمِ لَيْسَ فِيهَا مَدَرٌ، وَكَانَتْ قَدْرَ مَا يَقْتَحِمُهَا الْعَنَاقُ، وَكَانَتْ ثِيَابُهَا تُوضَعُ عَلَيْهَا تُسْدَلُ سَدْلًا، وَكَانَتْ ذَاتَ رُكْنَيْنِ كَهَيْئَةِ هَذِهِ الْحَلْقَةِ، فَأَقْبَلَتْ سَفِينَةٌ مِنَ الرُّومِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْ جَدَّةَ انْكَسَرَتْ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ لِتَأْخُذَ خَشَبَهَا فَوَجَدُوا الرُّومِيَّ الَّذِي فِيهَا نَجَّارًا، فَقَدِمُوا بِهِ وبِالْخَشَبِ لِيَبْنُوَا بِهِ الْبَيْتَ، فَكَانُوا كُلَّمَا أَرَادُوا الْقُرْبَ مِنْهُ لِهَدْمِهِ بَدَتْ لَهُمْ حَيَّةٌ فَاتِحَةٌ فَاهَا، فَبَعَثَ اللَّهُ طَيْرًا أَعْظَمَ مِنَ النَّسْرِ، فَغَرَزَ مَخَالِبَهُ فِيهَا، فَأَلْقَاهَا نَحْوَ أَجْيَادٍ، فَهَدَمَتْ قُرَيْشٌ الْكَعْبَةَ وَبَنَوْهَا بِحِجَارَةِ الْوَادِي، فَرَفَعُوهَا فِي السَّمَاءِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا.
فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ ﷺ يَحْمِلُ الْحِجَارَةَ مِنْ أَجْيَادٍ وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ فَضَاقَتْ عَلَيْهِ النَّمِرَةُ، فَذَهَبَ يَضَعَهَا عَلَى عَاتِقِهِ فَبَدَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ صِغَرِهَا، فَنُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ خَمِّرْ عَوْرَتَكَ، فَلَمْ يُرَ عُرْيَانًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَبْعَثِ خَمْسُ سِنِينَ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَقَالَ: بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْحُلُمَ أَجْمَرَتِ امْرَأَةٌ الْكَعْبَةَ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْ مِجْمَرِهَا فِي ثِيَابِ الْكَعْبَةِ فَاحْتَرَقَتْ، فَتَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ فِي هَدْمِهَا وَهَابُوهُ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: إِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute