عَائِشَةَ، لَكِنْ يَقَعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرًا صُورَةُ التَّشْكِيكِ، وَالْمُرَادُ التَّقْرِيرُ وَالْيَقِينُ.
قَوْلُهُ: (مَا أُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ؛ أَيْ أَظُنُّ، وَهِيَ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ، وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: وَلَا طَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ إِلَّا لِذَلِكَ. وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ أَبَى أُوَيْسٍ الْمَذْكُورَةِ.
قَوْلُهُ: (اسْتِلَامَ) افْتِعَالٌ مِنَ السَّلَامِ، وَالْمُرَادُ هُنَا لَمْسُ الرُّكْنِ بِالْقُبْلَةِ أَوِ الْيَدِ.
قَوْلُهُ: (يَلِيَانِ) أَيْ يَقْرَبَانِ مِنْ (الْحِجْرَ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ عَلَى صِفَةِ نِصْفِ الدَّائِرَةِ، وَقَدْرُهَا تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، وَالْقَدْرُ الَّذِي أُخْرِجَ مِنَ الْكَعْبَةِ سَيَأْتِي قَرِيبًا.
قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ: (حَدَّثَنَا الْأَشْعَثُ) هُوَ ابْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ الْمُحَارِبِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَسْوَدِ بِزِيَادَةٍ، نَبَّهْنَا عَلَى مَا فِيهَا هُنَاكَ.
قَوْلُهُ: (عَنِ الْجَدْرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَدِ مُسَدَّدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي الْجِدَارُ قَالَ الْخَلِيلُ: الْجَدْرُ لُغَةٌ فِي الْجِدَارِ. انْتَهَى. وَوَهِمَ مَنْ ضَبَطَهُ بِضَمِّهَا، لِأَنَّ الْمُرَادَ الْحِجْرُ، وَلِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ شَيْخِ مُسَدَّدٍ فِيهِ: الْجَدْرُ أَوِ الْحَجَرُ بِالشَّكِّ، وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ، عَنِ الْأَشْعَثِ الْحِجْرُ بِغَيْرِ شَكٍّ.
قَوْلُهُ: (أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ) هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحِجْرَ كُلَّهُ مِنَ الْبَيْتِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ (أَنْ أَدْخِلِ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ) وَبِذَلِكَ كَانَ يُفْتِي ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَوْ وُلِّيتُ مِنَ الْبَيْتِ مَا وَلِيَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَأَدْخَلْتُ الْحِجْرَ كُلَّهُ فِي الْبَيْتِ، فَلِمَ يُطَاف بِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْبَيْتِ؟ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدَيَّ، فَأَدْخَلَنِي الْحِجْرَ فَقَالَ: صَلِّي فِيهِ، فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنَ الْبَيْتِ، وَلَكِنَّ قَوْمَكَ اسْتَقْصَرُوهُ حَين بَنَوْا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْبَيْتِ. وَنَحْوُهُ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَفِيهِ: أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى شَيْبَةَ الْحَجَبِيِّ لِيَفْتَحَ لَهَا الْبَيْتَ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ: مَا فَتَحْنَاهُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ بِلَيْلٍ. وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُطْلَقَةٌ، وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتٌ أَصَحُّ مِنْهَا مُقَيَّدَةٌ، مِنْهَا لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قَزَعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: حَتَّى أَزِيدَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْهَا: فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ أَنْ يَبْنُوهُ بَعْدِي فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ، فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ.
وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَزِدْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ. وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الطَّرِيقِ الرَّابِعَةِ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّهُ أَرَاهُ لِجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ فَحَزَرَهُ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَلِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ شَابُورَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ زَادَ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ. وَلَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: سِتَّةَ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ. وَهَكَذَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَدَدٍ لَقِيَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْهُ، وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا تَجْتَمِعُ عَلَى أَنَّهَا فَوْقَ السِّتَّةِ وَدُونَ السَّبْعَةِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَطَاءٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: لَكُنْتُ أُدْخِلُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ. فَهِيَ شَاذَّةٌ، وَالرِّوَايَةُ السَّابِقَةُ أَرْجَحُ لِمَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ عَنِ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي لِرِوَايَةِ عَطَاءٍ، وَهُوَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا مَا عَدَا الْفُرْجَةِ الَّتِي بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْحِجْرِ، فَتَجْتَمِعُ مَعَ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ الَّذِي عَدا الْفُرْجَةَ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَشَيْءٍ، وَلِهَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْفَاكِهِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِعَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ.
فَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى إِلْغَاءِ الْكَسْرِ، وَرِوَايَةُ عَطَاءٍ عَلَى جَبْرِهِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا بِذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَنِي إِلَى ذَلِكَ، وَسَأَذْكُرُ ثَمَرَةَ هَذَا الْبَحْثِ فِي آخِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute