للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: قِيَامًا أَيْ قِوَامًا، وَأَنَّهَا مَا دَامَتْ مَوْجُودَةً فَالدِّينُ قَائِمٌ، وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ أَوْرَدَ فِي الْبَابِ قِصَّةَ هَدْمِ الْكَعْبَةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ: لَا يَزَالُ النَّاسُ عَلَى دِينٍ مَا حَجُّوا الْبَيْتَ وَاسْتَقْبَلُوا الْقِبْلَةَ. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قِيَامًا لِلنَّاسِ لَوْ تَرَكُوهُ عَامًا لَمْ يُنْظَرُوا أَنْ يُهْلَكُوا.

ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ: أَوَّلُهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.

ثَانِيهَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ قَبْلَ نُزُولِ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ: وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ الْكَعْبَةَ قَدِيمًا بِالسُّتُورِ وَيَقُومُونَ بِهَا، وَعُرِفَ بِهَذَا جَوَابُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مِمَّا تُرْجِمَ بِهِ شَيْءٌ سِوَى بَيَانُ اسْمِ الْكَعْبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ، وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَيْضًا مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتِ الْكَعْبَةُ تُكْسَى فِيهِ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، وَهُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَكَذَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ أَنَّ الْأَمْرَ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ فِي زَمَانِهِمْ، وَقَدْ تَغَيَّرَ ذَلِكَ بَعْدُ، فَصَارَتْ تُكْسَى فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَصَارُوا يَعْمِدُونَ إِلَيْهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَيُعَلِّقُونَ كِسْوَتَهُ إِلَى نَحْوِ نِصْفِهِ، ثُمَّ صَارُوا يَقْطَعُونَهَا فَيَصِيرُ الْبَيْتُ كَهَيْئَةِ الْمُحْرِمِ، فَإِذَا حَلَّ النَّاسُ يَوْمَ النَّحْرِ كَسَوْهُ الْكِسْوَةَ الْجَدِيدَةَ.

(تَنْبِيهٌ): قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: جَمَعَ الْبُخَارِيُّ بَيْنَ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ، وَابْنِ أَبِي حَفْصَةَ فِي الْمَتْنِ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ ذِكْرُ السِّتْرِ، ثُمَّ سَاقَهُ بِدُونِهِ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَعَادَةُ الْبُخَارِيِّ التَّجَوُّزُ فِي مِثْلِ هَذَا. وَقَدْ رَوَاهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ، فَصَرَّحَ بِسَمَاعِ الزُّهْرِيِّ لَهُ مِنْ عُرْوَةَ.

ثَالِثُهَا: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي حَجِّ الْبَيْتِ بَعْدَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، أَوْرَدَهُ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ - وَهُوَ ابْنُ طَهْمَانَ -، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَهُوَ الْبَاهِلِيُّ الْبَصْرِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْدَهُ: سَمِعَ قَتَادَةُ، عَبْدَ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَغَرَضُهُ بِهَذَا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ تَدْلِيسٌ. وَهَلْ أَرَادَ بِهَذَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ بِخُصُوصِهِ أَوْ فِي الْجُمْلَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ. وَقَدْ وَجَدْتُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ مُصَرِّحًا بِسَمَاعِ قَتَادَةَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ فِي حَدِيثِ كَانَ ﷺ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَعِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.

قَوْلُهُ: (لَيُحَجَّنَّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ.

قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ أَبَانُ، وَعِمْرَانُ، عَنْ قَتَادَةَ) أَيْ عَلَى لَفْظِ الْمَتْنِ، فَأَمَّا مُتَابَعَةُ أَبَانَ - وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ - فَوَصَلَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدَ، عَنْ عَفَّانَ، وَسُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو الْكَلْبِيُّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبَانَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَأَمَّا مُتَابَعَةُ عِمْرَانَ، وَهُوَ الْقَطَّانُ فَوَصَلَهَا أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَهُوَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْهُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ الطَّيَالِسِيِّ، وَقَدْ تَابَعَ هَؤُلَاءِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: إِنَّ النَّاسَ لَيَحُجُّونَ وَيَعْتَمِرُونَ وَيَغْرِسُونَ النَّخْلَ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ

قَوْلُهُ: (فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ شُعْبَةَ) يَعْنِي عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا السَّنَدِ.

قَوْلُهُ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يَحُجَّ الْبَيْتَ) وَصَلَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْهُ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ، أَيْ لِاتِّفَاقِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَانْفِرَادِ شُعْبَةَ بِمَا يُخَالِفُهُمْ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَهُمَا التَّعَارُضُ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الْأَوَّلِ أَنَّ الْبَيْتَ يُحَجُّ بَعْدَ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمِنَ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَحُجُّ بَعْدَهَا، وَلَكِنْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حَجِّ النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَنْ يَمْتَنِعَ الْحَجُّ فِي وَقْتِ مَا عِنْدَ قُرْبِ ظُهُورِ السَّاعَةِ، وَيَظْهَرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتَ أَيْ مَكَانَ الْبَيْتِ لِمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ