لِظُهُورِهَا. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَ تَمَامِ الطَّوَافِ.
ثُمَّ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ السَّعْيِ بَعْدَهُ ثُمَّ الْحَلْقِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَسْحِ الرُّكْنِ الْكِنَايَةُ عَنْ تَمَامِ الطَّوَافِ لَا سِيَّمَا وَاسْتِلَامُ الرُّكْنِ يَكُونُ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، فَالْمَعْنَى فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الطَّوَافِ حَلُّوا، وَأَمَّا السَّعْيُ وَالْحَلْقُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِمَا كَمَا قَالَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الطَّوَافِ وَمَا يَتْبَعُهُ حَلُّوا. قُلْتُ: وَأَرَادَ بِمَسْحِ الرُّكْنِ هُنَا اسْتِلَامَهُ بَعْدَ فَرَاغِ الطَّوَافِ وَالرَّكْعَتَيْنِ كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، فَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى إِلَّا تَقْدِيرُ وَسَعَوْا لِأَنَّ السَّعْيَ شَرْطٌ عِنْدَ عُرْوَةَ بِخِلَافِ مَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا تَقْدِيرُ حَلَقُوا فَيُنْظَرُ فِي رَأْيِ عُرْوَةَ فَإِنْ كَانَ الْحَلْقُ عِنْدَهُ نُسُكًا فَيُقَدَّرُ فِي كَلَامِهِ وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنِي عَمْرٌو) هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ بَابًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ أَبُو الْأَسْوَدِ النَّوْفَلِيُّ الْمَدَنِيُّ الْمَعْرُوفُ بِيَتِيمِ عُرْوَةَ.
قَوْلُهُ: (ذَكَرْتُ لِعُرْوَةَ قَالَ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ) حَذَفَ الْبُخَارِيُّ صُورَةَ السُّؤَالِ وَجَوَابَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَرْفُوعِ مِنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَفْظُهُ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ لَهُ: سَلْ لِي عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ يُهِلُّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا طَافَ أَيَحِلُّ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ لَكَ لَا يَحِلُّ فَقُلْ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا يَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ فَسَأَلْتُهُ قَالَ: لَا يَحِلُّ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ إِلَّا بِالْحَجِّ، قَالَ فَتَصَدَّى لِيَ الرَّجُلُ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: فَقُلْ لَهُ فَإِنَّ رَجُلًا كَانَ يُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَمَا شَأْنُ أَسْمَاءَ وَالزُّبَيْرِ فَعَلَا ذَلِكَ؟ قَالَ: فَجِئْتُهُ أَيْ عُرْوَةَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي، أَيْ لَا أَعْرِفُ اسْمَهُ. قَالَ: فَمَا بَالُهُ لَا يَأْتِينِي بِنَفْسِهِ يَسْأَلُنِي؟ أَظُنُّهُ عِرَاقِيًّا. يَعْنِي وَهُمْ يَتَعَنَّتُونَ فِي الْمَسَائِلِ.
قَالَ: قَدْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، الرَّجُلُ الَّذِي سَأَلَ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ رَجُلًا كَانَ يُخْبِرُ عَنَى بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ إِذَا طَافَ يَحِلُّ مِنْ حَجِّهِ، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى حَجِّهِ لَا يَقْرَبُ الْبَيْتَ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ عَرَفَةَ، وَكَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ ﷺ لِمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ فِي: بَابِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ. فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ وَمِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ ﷺ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قُلْتُ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُعَرِّفِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَاهُ قَبْلُ وَبَعْدُ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِلَفْظِ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَاجٌّ وَلَا غَيْرُهُ إِلَّا حَلَّ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مِنْ أَيْنَ تَقُولُ ذَلِكَ؟ فَذَكَرَهُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا حَسَّانٍ الْأَعْرَجَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا هَذِهِ الْفُتْيَا أَنَّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ؟ فَقَالَ: سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ وَإِنْ رَغِمْتُمْ.
وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيَصْلُحُ لِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الْمَوْقِفَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَا تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَأْتِيَ الْمَوْقِفَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَطَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ، فَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ نَأْخُذَ أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا.
وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ قَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَلِكَ أَيْ أَمَرَ بِهِ، وَعُرِفَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ خَالَفَهُ فِيهِ الْجُمْهُورُ وَوَافَقَهُ فِيهِ نَاسٌ قَلِيلٌ مِنْهُمْ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَعُرِفَ أَنَّ مَأْخَذَهُ فِيهِ مَا ذُكِرَ، وَجَوَابُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَفْسَخُوا حَجَّهُمْ فَيَجْعَلُوهُ عُمْرَةً، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا بِهِمْ، وَذَهَبَت طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَنْ بَعْدَهُمْ، وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ أَنَّ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute