للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَطَوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الْأَنْصَارِ، كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ Object عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ الْآيَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ Object: وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ Object الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا: ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إِلَّا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ بِمَنَاةَ كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمْ

يَذْكُرْ الصَّفَا فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَسْمَعُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا؛ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ.

[الحديث ١٦٤٣ - أطرافه في: ١٧٩٠، ٤٤٩٥، ٤٨٦١]

قَوْلُهُ: (بَابُ وُجُوبِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَجُعِلَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أَيْ وُجُوبُ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا مُسْتَفَادٌ مِنْ كَوْنِهِمَا جُعِلَا مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ قَالَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ، وَتَمَامُ هَذَا نَقْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ الشَّعَائِرِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الشَّعَائِرُ الْمُقَالَةُ الَّتِي نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهَا وَأَمَرَ بِالْقِيَامِ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشَّعَائِرُ أَعْمَالُ الْحَجِّ وَكُلُّ مَا جُعِلَ عَلَمًا لِطَاعَةِ اللَّهِ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مُسْتَفَادًا مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلَا عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِهَا الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِلْوُجُوبِ بِحَدِيثِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تِجْرَاه - بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا رَاءٌ ثُمَّ أَلِفٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ هَاءٌ - وَهِيَ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ - قَالَتْ: دَخَلْتُ مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ دَارَ آلِ أَبِي حُسَيْنٍ فَرَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ Object يَسْعَى وَإِنَّ مِئْزَرَهُ لَيَدُورُ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ. أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا، وَفِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إِنْ ثَبَتَ فَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْوُجُوبِ.

قُلْتُ: لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ مُخْتَصَرَةٌ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَالْأُولَى وَإِذَا انْضَمَّتْ إِلَى الْأُولَى قَوِيَتْ، وَاخْتُلِفَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ فِي اسْمِ الصَّحَابِيَّةِ الَّتِي أَخْبَرَتْهَا بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَخَذَتْهُ عَنْ جَمَاعَةٍ، فَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْهَا أَخْبَرَتْنِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَلَا يَضُرُّهُ الِاخْتِلَافُ، وَالْعُمْدَةُ فِي الْوُجُوبِ قَوْلُهُ Object خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى فِي إِهْلَالِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْمَوَاقِيتِ وَفِيهِ طُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا: فَالْجُمْهُورُ قَالُوا هُوَ رُكْنٌ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ بِدُونِهِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاجِبٌ