للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: يَرْكَبُهَا إِذَا أَعْيَا قَدْرَ مَا يَسْتَرِيحُ عَلَى ظَهْرِهَا. وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ خَامِسٌ وَهُوَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا نَقَلَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ الْجَوَازُ بِقَدَرِ الْحَاجَةِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَمَعَ ذَلِكَ يَضْمَنُ مَا نَقَصَ مِنْهَا بِرُكُوبِهِ. وَضَمَانُ النَّقْصِ وَافَقَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ كَالنَّذْرِ. وَمَذْهَبٌ سَادِسٌ وَهُوَ وُجُوبُ ذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَالمُخَالَفَة مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَرَدَّهُ بِأَنِ الَّذِينَ سَاقُوا الْهَدْيَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ كَانُوا كَثِيرًا وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِذَلِكَ. انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي: الْمَرَاسِيلِ عَنْ عَطَاءٍ: كَانَ النَّبِيُّ يَأْمُرُ بِالْبَدَنَةِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهَا سَيِّدُهَا أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا وَيَرْكَبَهَا غَيْرَ مُنْهِكِهَا.

قُلْتُ: مَاذَا؟ قَالَ: الرَّاجِلُ وَالْمُتَيِّعُ الْيَسِيرُ فَإِنْ نَتَجَتْ حَمَلَ عَلَيْهَا وَلَدَهَا (١) وَلَا يَمْتَنِعُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ إِذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى إِنْقَاذِ مُهْجَةِ إِنْسَانٍ مِنَ الْهَلَاكِ. وَاخْتَلَفَ الْمُجِيزُونَ هَلْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ؟ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ. وَهَلْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا غَيْرَهُ؟ أَجَازَهُ الْجُمْهُورُ أَيْضًا عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. وَنَقَلَ عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجِرُهَا. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي: اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيُّ إِنِ احْتَلَبَ مِنْهَا شَيْئًا تَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ أَكَلَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ وَيَرْكَبُ إِذَا احْتَاجَ فَإِنْ نَقَصَهُ ذَلِكَ ضَمِنَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهِ فَإِنْ شَرِبَ لَمْ يَغْرَمْ. وَلَا يَرْكَبُ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ فَإِنْ رَكِبَ لَمْ يَغْرَمْ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يَرْكَبُ إِلَّا إِذَا اضْطُرَّ.

قَوْلُهُ: (وَيْلَكَ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَهَا لَهُ تَأْدِيبًا لِأَجْلِ مُرَاجَعَتِهِ لَهُ مَعَ عَدَمِ خَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَبَالَغَ حَتَّى قَالَ: الْوَيْلُ لِمَنْ رَاجَعَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا، قَالَ: وَلَوْلَا أَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّهِ مَا اشْتَرَطَ لَهَلَكَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَا مَحَالَةَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فُهِمَ عَنْهُ أَنَّهُ يَتْرُكُ رُكُوبَهَا عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي السَّائِبَةِ وَغَيْرِهَا فَزَجَرَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَعَلَى الْحَالَتَيْنِ هِيَ إِنْشَاءٌ. وَرَجَّحَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ قَالُوا: وَالْأَمْرُ هُنَا وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لِلْإِرْشَادِ لَكِنَّهُ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ بِتَوَقُّفِهِ عَلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مَا تَرَكَ الِامْتِثَالَ عِنَادًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ظَنَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ غُرْمٌ بِرُكُوبِهَا أَوْ إِثْمٌ وَأَنَّ الْإِذْنَ الصَّادِرَ لَهُ بِرُكُوبِهَا إِنَّمَا هُوَ لِلشَّفَقَةِ عَلَيْهِ فَتَوَقَّفَ فَلَمَّا أَغْلَظَ لَهُ بَادَرَ إِلَى الِامْتِثَالِ. وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ أَشْرَفَ عَلَى هَلَكه مِنَ الْجَهْدِ. وَوَيْلٌ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ، فَالْمَعْنَى أَشْرَفْتَ عَلَى الْهَلَكَةِ فَارْكَبْ فَعَلَى هَذَا هِيَ إِخْبَارٌ وَقِيلَ هِيَ كَلِمَةٌ تَدْعَمُ بِهَا الْعَرَبُ كَلَامَهَا وَلَا تَقْصِدُ مَعْنَاهَا كَقَوْلِهِ لَا أُمَّ لَكَ وَيُقَوِّيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ: وَيْحَكَ بَدَلَ وَيْلَكَ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَيْلٌ يُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ يَسْتَحِقُّهَا وَوَيْحٌ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ تَكْرِيرُ الْفَتْوَى وَالنَّدْبُ إِلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى امْتِثَالِ أَمْر وَزَجْرُ مَنْ لَمْ يُبَادِرْ إِلَى ذَلِكَ وَتَوْبِيخُهُ وَجَوَازُ مُسَايَرَةِ الْكِبَارِ فِي السَّفَرِ وَأَنَّ الْكَبِيرَ إِذَا رَأَى مَصْلَحَةً لِلصَّغِيرِ لَا يَأْنَفُ عَنِ إِرْشَادِهِ إِلَيْهَا، وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ جَوَازَ انْتِفَاعِ الْوَاقِفِ بِوَقْفِهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْجُمْهُورِ فِي الْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ أَمَّا الْخَاصَّةُ فَالْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَكَانِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ) فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ.

قَوْلُهُ: (قَالَ ارْكَبْهَا ثَلَاثًا) كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ مُخْتَصَرًا وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ ارْكَبْهَا. قَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ ارْكَبْهَا. ثَلَاثًا. وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ فِي السُّنَنِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ شَيْخِ


(١) في "مراسيل أبي داود" المطبوعة بمصر سنة ١٣١٠ ص ١٩ "قلت ماذا؟ قال: الرجل الراجل والمتبع السير، وإن نتجت حمل عليها ولدها وعدله"