بِهِ هُنَا، وَلَفْظُهُ هُنَاكَ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَجُلًا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ وَيَجْلِسُ فِي الْمِصْرِ فَيُوصِي أَنْ تُقَلَّدَ بَدَنَتُهُ فَلَا يَزَالُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُحْرِمًا حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ. وَلَفْظُ الطَّحَاوِيِّ فِي حَدِيثِ مَسْرُوقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ: إِنَّ رِجَالًا هَاهُنَا يَبْعَثُونَ بِالْهَدْيِ إِلَى الْبَيْتِ وَيَأْمُرُونَ الَّذِي يَبْعَثُونَ مَعَهُ بِمُعَلِّمٍ لَهُمْ يُقَلِّدُهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا يَزَالُونَ مُحْرِمِينَ حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَدِّثٌ عَنْ عَائِشَةَ وَقِيلَ لَهَا إِنَّ زِيَادًا إِذَا بَعَثَ بِالْهَدْيِ أَمْسَكَ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَوَلَهُ كَعْبَةٌ يَطُوفُ بِهَا. قَالَ وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ زِيَادًا بَعَثَ بِالْهَدْيِ وَتَجَرَّدَ فَقَالَتْ: إِنْ كُنْتُ لَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا وَهُوَ مُقِيمٌ عِنْدَنَا مَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا. وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا مُتَجَرِّدًا بِالْعِرَاقِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا إِنَّهُ أَمَرَ بِهَدْيِهِ أَنْ يُقَلَّدَ، قَالَ رَبِيعَةُ: فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: بِدْعَةٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ مُتَجَرِّدًا عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فَذَكَرَهُ، فَعُرِفَ بِهَذَا اسْمُ الْمُبْهَمِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ التِّينِ: خَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذَا جَمِيعَ الْفُقَهَاءِ، وَاحْتَجَّتْ عَائِشَةُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَمَا رَوَتْهُ فِي ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُصَارَ إِلَيْهِ وَلَعَلَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ عَنْهُ. انْتَهَى. وَفِيهِ قُصُورٌ شَدِيدٌ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ بَلْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا بَعَثَ بِالْهَدْيِ يُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُلَبِّي وَمِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ نَحْوَ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا فِي الرَّجُلِ يُرْسِلُ بِبَدَنَتِهِ أَنَّهُ يُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ سِيرِينَ وَآخَرُونَ: مَنْ أَرْسَلَ الْهَدْيَ وَأَقَامَ حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةُ، وَأَنَسٌ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَآخَرُونَ: لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مُحْرِمًا وَإِلَى ذَلِكَ صَارَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَمِنْ حُجَّةِ الْأَوَّلِينَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَدَّ قَمِيصَهُ مِنْ جَيْبِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ رِجْلَيْهِ وَقَالَ: إِنِّي أَمَرْتُ بِبُدْنِيَ الَّتِي بَعَثْتُ بِهَا أَنْ تُقَلَّدَ الْيَوْمَ وَتُشْعَرَ عَلَى مَكَانِ كَذَا فَلَبِسْتُ قَمِيصِي وَنَسِيتُ فَلَمْ أَكُنْ لِأُخْرِجَ قَمِيصِي مِنْ رَأْسِي: الْحَدِيثَ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِضَعْفِ إِسْنَادِهِ إِلَّا أَنَّ نِسْبَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى التَّفَرُّدِ بِذَلِكَ خَطَأٌ. وَقَدْ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ إِلَّا الْجِمَاعَ لَيْلَةَ جَمْعٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
نَعَمْ جَاءَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ اسْتَقَرَّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَفِي نُسْخَةِ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ أَوَّلُ مَنْ كَشَفَ الْعَمَى عَنِ النَّاسِ وَبَيَّنَ لَهُمُ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ عَائِشَةُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ عَنْ عُرْوَةَ، وَعَمْرَةَ عَنْهَا قَالَ فَلَمَّا بَلَغَ النَّاسَ قَوْلُ عَائِشَةَ أَخَذُوا بِهِ وَتَرَكُوا فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْفَتْوَى إِلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ النُّسُكَ صَارَ بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِهِ الْهَدْيَ مُحْرِمًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَأَمَّ الْبَيْتَ ثُمَّ قَلَّدَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ، قَالَ: وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَصِيرُ بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ مُحْرِمًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ خَطَأٌ عَلَيْهِمْ فالطَّحَاوِيُّ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْهُ. وَلَعَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute