مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يَحِلُّ، قَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: ذَبَحَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ أَزْوَاجِهِ. قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا﴾ وقَوْلُهُ: إِلَى قَوْلِهِ: ﴿خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ وَقَعَ سِيَاقُ الْآيَاتِ كُلِّهَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا هُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾، وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهَا فِي التَّرْجَمَةِ وَمَا يَأْكُلُ مِنَ الْبُدْنِ وَمَا يَتَصَدَّقُ أَيْ: بَيَانُ الْمُرَادِ مِنَ الْآيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ (أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ لَا يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ وَيُؤْكَلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْهُ بِمَعْنَاهُ قَالَ: إِذَا عَطِبَتِ الْبَدَنَةُ أَوْ كُسِرَتْ أَكَلَ مِنْهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يُبْدِلْهَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ نَذْرًا أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ. وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا الْقَوْلُ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَزَادَ إِلَّا فِدْيَةَ الْأَذَى. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: وَلَا يُؤْكَلُ إِلَّا مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ دَمُ نُسُكٍ لَا دَمُ جُبْرَانَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَطَاءٌ: يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ مِنَ الْمُتْعَةِ) هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَطَاءٍ: لَا يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَلَا مِمَّا يُجْعَلُ لِلْمَسَاكِينِ مِنَ النَّذْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا مِنَ الْفِدْيَةِ. وَيُؤْكَلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ. وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ: إِنْ شَاءَ أَكَلَ مِنَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَةِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ. وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ هَذِهِ الْآثَارِ عَنْ عَطَاءٍ فَإِنَّ حَاصِلَهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَثَرُ الثَّانِي. وَزَعَمَ ابْنُ الْقَصَّارِ الْمَالِكِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ تَفَرَّدَ بِمَنْعِ الْأَكْلِ مِنْ دَمِ التَّمَتُّعِ. (تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ وَقَبْلَ قَوْلِهِ: وَمَا يَأْكُلُ مِنَ الْبُدْنِ وَمَا يَتَصَدَّقُ لَفْظُ بَابٍ وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ الصَّوَابُ.
قَوْلُهُ: (كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثِ مِنًى) بِإِضَافَةِ ثَلَاثٍ إِلَى مِنًى، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ وَهُوَ مِنَ الْحُكمِ الْمُتَّفَقِ عَلَى نَسْخِهِ.
قَوْلُهُ: (سُلَيْمَانُ) هُوَ ابْنُ بِلَالٍ، وَيَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ، وَخَالِدٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ كُوفِيًّا فَقَدْ سَكَنَ الْمَدِينَةَ مُدَّةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا فِي: بَابِ ذَبْحِ الرَّجُلِ الْبَقَرَ عَنْ نِسَائِهِ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ هَذِهِ: حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يَحِلُّ. كَذَا لِلْأَكْثَرِ مِنْ طَرِيقِ الْفَرَبْرِيِّ، وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ لَكِنْ جَعَلَ عَلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ ضَبَّةً. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ بِلَفْظِ: أَنْ بَدَلَ ثُمَّ وَلَا إِشْكَالَ فِيهَا. وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ بِلَفْظِ: أَنْ يَحِلَّ، وَزَادَ قَبْلَهَا: إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَدْ شَرَحَهُ الْكِرْمَانِيُّ عَلَى لَفْظِ ثُمَّ، فَقَالَ: جَوَابُ إِذَا مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ يُتِمُّ عُمْرَتَهُ ثُمَّ يَحِلُّ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ مَنْ ثَمَّ مَحْذُوفًا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ زَائِدَةً كَمَا قَالَ الْأَخْفَشُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ إِنَّ تَابَ جَوَابُ حَتَّى إِذَا. قُلْتُ: وَكُلُّهُ تَكَلُّفٌ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ التَّغْيِيرَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ، وَتَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ مَالِكٍ قَرِيبًا وَمِثْلُهَا فِي الْجِهَادِ، وَكَذَا لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ الصَّوَابُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute