للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بَأْسَ انْفِرِي، فَلَقِيتُهُ مُصْعِدًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ، أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ. وَقَالَ مُسَدَّدٌ: قُلْتُ: لَا. تَابَعَهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلِهِ: لَا.

قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ) أَيْ: هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا طَوَافُ الْوَدَاعِ أَوْ يَسْقُطُ، وَإِذَا وَجَبَ هَلْ يُجْبَرُ بِدَمٍ أَمْ لَا؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ بِلَفْظِ: بَابُ الْمَرْأَةِ تَحِيضُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ بِالْأَمْصَارِ: لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ الَّتِي قَدْ أَفَاضَتْ طَوَافُ وَدَاعٍ. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ أَمَرُوهَا بِالْمُقَامِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا لِطَوَافِ الْوَدَاعِ، وَكَأَنَّهُمْ أَوْجَبُوهُ عَلَيْهَا كَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ إِذْ لَوْ حَاضَتْ قَبْلَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهَا. ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: طَافَتِ امْرَأَةٌ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ حَاضَتْ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِحَبْسِهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ يَنْفِرَ النَّاسُ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ بِالْبَيْتِ قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَ رُجُوعُ ابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ ذَلِكَ، وَبَقِيَ عُمَرُ فَخَالَفْنَاهُ لِثُبُوتِ حَدِيثِ عَائِشَةَ. يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ أَحَادِيثُ هَذَا الْبَابِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: كَانَ الصَّحَابَةُ يَقُولُونَ: إِذَا أَفَاضَتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَقَدْ فَرَغَتْ، إِلَّا عُمَرَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يَكُونُ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ، وَقَدْ وَافَقَ عُمَرَ عَلَى رِوَايَةِ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ غَيْرُهُ، فَرَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ - وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُدَ - مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ تَحِيضُ، قَالَ: لِيَكُنْ آخَرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ، فَقَالَ الْحَارِثُ: كَذَلِكَ أَفْتَانِي - وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ هَكَذَا حَدَّثَنِي - رَسُولُ اللَّهِ ، وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَبِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ الْحَارِثِ فِي حَقِّ الْحَائِضِ.

قَوْلُهُ: (حَاضَتْ) أَيْ: بَعْدَ أَنْ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي: بَابِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ.

قَوْلُهُ: (فَذُكِرَ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِضَمِّ الذَّالِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ عَائِشَةَ هِيَ الَّتِي ذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (أَحَابِسَتُنَا) أَيْ: مَانِعَتُنَا مِنَ التَّوَجُّهِ مِنْ مَكَّةَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَرَدْنَا التَّوَجُّهَ فِيهِ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهَا مَا طَافَتْ طَوَافَ إِفَاضَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَتْرُكُهَا وَيَتَوَجَّهُ، وَلَا يَأْمُرُهَا بِالتَّوَجُّهِ مَعَهُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى إِحْرَامِهَا، فَيَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُقِيمَ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ وَتَحِلَّ الْحِلَّ الثَّانِيَ.

قَوْلُهُ: (قَالُوا) سَيَأْتِي فِي الطَّرِيقِ الَّتِي فِي آخِرِ الْبَابِ أَنَّ صَفِيَّةَ هِيَ الَّتِي قَالَتْ: بَلَى، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ الَّتِي مَضَتْ فِي بَابِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ: حَجَجْنَا فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا حَائِضٌ. الْحَدِيثَ، وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ عَلِمَ أَنَّهَا طَافَتْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، فَكَيْفَ يَقُولُ: أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمَ فَكَيْفَ يُرِيدُ وِقَاعَهَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ الثَّانِي؟ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَا أَرَادَ ذَلِكَ مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ أَنِ اسْتَأْذَنَهُ نِسَاؤُهُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَأَذِنَ لَهُنَّ، فَكَانَ بَانِيًا عَلَى أَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُ إِنَّهَا حَائِضٌ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى مَنَعَهَا مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَاسْتَفْهَمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَعْلَمَتْهُ عَائِشَةُ أَنَّهَا طَافَتْ مَعَهُنَّ فَزَالَ عَنْهُ مَا خَشِيَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ قَالَ لَهُنَّ: لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا، أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ؟ قَالُوا: بَلَى. وَسَأَذْكُرُ بَقِيَّةَ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي آخِرِ الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (فَلَا إِذًا) أَيْ: فَلَا حَبْسَ عَلَيْنَا حِينَئِذٍ، أَيْ: إِذَا أَفَاضَتْ فَلَا مَانِعَ لَنَا مِنَ التَّوَجُّهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا قَدْ فَعَلَتْهُ.

قَوْلُهُ: (حَمَّادٌ) هُوَ ابْنُ زَيْدٍ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ) أَيْ