للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِالْإِحْرَامِ مِنَ التَّنْعِيمِ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْحِلِّ مِنْ مَكَّةَ. ثُمَّ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِهَا قَالَتْ: وَكَانَ أَدْنَانَا مِنَ الْحَرَمِ التَّنْعِيمُ فَاعْتَمَرْتُ مِنْهُ. قَالَ: فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مِيقَاتَ مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ الْحِلُّ، وَأَنَّ التَّنْعِيمَ وَغَيْرَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَمْرٍو) هُوَ ابْنُ دِينَارٍ.

قَوْلُهُ: (سَمِعَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ) يَعْنِي أَنَّهُ سَمِعَ، وَلَفْظُ أَنَّهُ مِمَّا يُحْذَفُ مِنَ الْإِسْنَادِ خَطَأٌ فِي الْغَالِبِ كَمَا تُحْذَفُ إِحْدَى لَفْظَتَيْ قَالَ. وَقَدْ بَيَّنَ سُفْيَانُ سَمَاعَهُ لَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي آخِرِهِ. وَوَقَعَ عِنْدَ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا مِمَّا يُعْجِبُ شُعْبَةَ، يَعْنِي التَّصْرِيحَ بِالْإِخْبَارِ فِي جَمِيعِ الْإِسْنَادِ.

قَوْلُهُ: (وَيُعْمِرُهَا مِنَ التَّنْعِيمِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِعْمَارَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ كَانَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ ﷺ. وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَى بَكْرٍ عَنْ أَبِيهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَرْدِفْ أُخْتَكَ عَائِشَةَ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. الْحَدِيثَ، وَنَحْوُهُ رِوَايَةُ مَالِكٍ السَّابِقَةُ فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ ﷺ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ. وَرِوَايَةُ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ السَّابِقَةُ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ قَالَ: فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَسْوَدِ، وَالْقَاسِمِ جَمِيعًا عَنْهَا بِلَفْظِ: فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ، وَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَنْ أَمْرِ النَّبِيِّ ﷺ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُفَسِّرُ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْهَا السَّابِقَةِ فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ حَيْثُ أَوْرَدَهُ بِلَفْظِ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: احْمِلْهَا خَلْفَكَ حَتَّى تَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ، فَوَاللَّهِ مَا قَالَ فَتُخْرِجُهَا إِلَى الْجِعْرَانَةِ وَلَا إِلَى التَّنْعِيمِ.

فَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ لِضَعْفِ أَبِي عَامِرٍ الْخَرَّازِ الرَّاوِي لَهُ عَنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَوَاللَّهِ إِلَخْ مِنْ كَلَامِ مَنْ دُونَ عَائِشَةَ قَالَهُ مُتَمَسِّكًا بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ فَأَخْرَجَهَا مِنَ الْحَرَمِ لَكِنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُقَيَّدَةَ بِالتَّنْعِيمِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُطْلَقَةِ فَهُوَ أَوْلَى وَلَا سِيَّمَا مَعَ صِحَّةِ أَسَانِيدِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَائِدَةٌ): زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ إِلَى التَّنْعِيمِ: فَإِذَا هَبَطْتَ بِهَا مِنَ الْأَكَمَةِ فَلْتُحْرِمْ فَإِنَّهَا عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ وَزَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَهُ: وَذَلِكَ لَيْلَةَ الصَّدَرِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالدَّالِ أَيِ الرُّجُوعِ مِنْ مِنًى، وَفِي قَوْلِهِ: فَإِذَا هَبَطْتَ بِهَا إِشَارَةٌ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَحْرَمَتْ مِنْهُ عَائِشَةُ. وَالتَّنْعِيمُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ خَارِجَ مَكَّةَ، وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى جِهَةِ الْمَدِينَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْفَاكِهِيُّ، وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: التَّنْعِيمُ أَبْعَدُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ إِلَى مَكَّةَ بِقَلِيلٍ، وَلَيْسَ بِطَرَفِ الْحِلِّ بَلْ بَيْنَهُمَا نَحْوٌ مِنْ مِيلٍ، وَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ أَدْنَى الْحِلِّ فَقَدْ تَجَوَّزَ. قُلْتُ: أَوْ أَرَادَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَقِيَّةِ الْجِهَاتِ. وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ التَّنْعِيمَ لِأَنَّ الْجَبَلَ الَّذِي عَنْ يَمِينِ الدَّاخِلِ يُقَالُ لَهُ نَاعِمٌ، وَالَّذِي عَنِ الْيَسَارِ يُقَالُ لَهُ مُنَعَّمٌ، وَالْوَادِي نَعْمَانُ. وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَطَاءً يَصِفُ الْمَوْضِعَ الَّذِي اعْتَمَرَتْ مِنْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: فَأَشَارَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي ابْتَنَى فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ الْمَسْجِدَ الَّذِي وَرَاءَ الْأَكَمَةِ، وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْخَرِبُ. وَنَقَلَ الْفَاكِهِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ ثَمَّ مَسْجِدَيْنِ يَزْعُمُ أَهْلُ مَكَّةَ أَنَّ الْخَرِبَ الْأَدْنَى مِنَ الْحَرَمِ هُوَ الَّذِي اعْتَمَرَتْ مِنْهُ عَائِشَةُ، وَقِيلَ هُوَ الْمَسْجِدُ الْأَبْعَدُ عَلَى الْأَكَمَةِ الْحَمْرَاءِ، وَرَجَّحَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ.

وَقَالَ الْفَاكِهِيُّ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عُمَرَ يَذْكُرُ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْخَلْوَةِ بِالْمَحَارِمِ سَفَرًا وَحَضَرًا، وَإِرْدَافُ الْمُحْرِمِ مَحْرَمَهُ مَعَهُ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَعَيُّنِ الْخُرُوجِ إِلَى الْحِلِّ لِمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ. وَالثَّانِي تَصِحُّ الْعُمْرَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ