قَوْلُهُ: (بَابُ أَجْرِ الْعُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ أَيِ التَّعَبِ.
قَوْلُهُ: (وَعَنِ ابْنِ عَوْنٍ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ بِالْإِسْنَادَيْنِ وَقَالَ فِيهِ: يُحَدِّثَانِ ذَلِكَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يُسَمِّهَا، قَالَ فِيهِ: لَا أَعْرِفُ حَدِيثَ ذَا مِنْ حَدِيثِ ذَا، وَظَهَرَ بِحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ أَنَّهَا عَائِشَةُ وَأَنَّهُمَا رَوَيَا ذَلِكَ عَنْهَا بِخِلَافِ سِيَاقِ يَزِيدَ.
قَوْلُهُ: (يَصْدُرُ النَّاسُ) أَيْ يَرْجِعُونَ.
قَوْلُهُ: (بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا) (١) فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بِحَبْلِ كَذَا وَضَبْطُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ بِالْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَضَبَطَهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يَعْنِي وَإِسْكَانَ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْمَكَانُ الْمُبْهَمُ هُنَا هُوَ الْأَبْطَحُ كَمَا تَبَيَّنَ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِكِ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ أَوْ إِمَّا لِلتَّنْوِيعِ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ ﷺ وَإِمَّا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَالْمَعْنَى أَنَّ الثَّوَابَ فِي الْعِبَادَةِ يَكْثُرُ بِكَثْرَةِ النَّصَبِ أَوِ النَّفَقَةِ، وَالْمُرَادُ النَّصَبُ الَّذِي لَا يَذُمُّهُ الشَّرْعُ وَكَذَا النَّفَقَةُ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ. انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ: عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ أَوْ عَلَى قَدْرِ تَعَبِكِ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ مِنْ شَكِّ الرَّاوِي، وَفِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ حَسَنٍ: عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِكِ. أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ بِلَفْظِ: أنَّ لَكِ مِنَ الْأَجْرِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ وَنَفَقَتِكِ. بِوَاوِ الْعَطْفِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ. وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُلَيَّةَ لَا أَعْرِفُ حَدِيثَ ذَا مِنْ حَدِيثِ ذَا قَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السِّيَاقَ الَّذِي هُنَا لِلْقَاسِمِ، فَإِنَّهُمَا أَخْرَجَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهَا فِي عُمْرَتِهَا إِنَّمَا أَجْرُكِ فِي عُمْرَتِكِ عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِمَارَ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ جِهَةِ الْحِلِّ الْقَرِيبَةِ أَقَلَّ أَجْرًا مِنَ الِاعْتِمَارِ مِنْ جِهَةِ الْحِلِّ الْبَعِيدَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِ ثِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ: أَفْضَلُ بِقَاعِ الْحِلِّ لِلِاعْتِمَارِ الْجِعْرَانَةُ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَحْرَمَ مِنْهَا، ثُمَّ التَّنْعِيمُ لِأَنَّهُ أَذِنَ لِعَائِشَةَ مِنْهَا، قَالَ: وَإِذَا تَنَحَّى عَنْ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ فَأَيْنَ أَبْعَدَ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ لِسَفَرِهِ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ. وَحَكَى الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَكِّيَّ كُلَّمَا تَبَاعَدَ فِي الْعُمْرَةِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: أَفْضَلُ بِقَاعِ الْحِلِّ لِلِاعْتِمَارِ التَّنْعِيمُ، وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْحِلِّ لِيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ غَيْرَ عَائِشَةَ. وَأَمَّا اعْتِمَارُهُ ﷺ مِنَ الْجِعْرَانَةِ، فَكَانَ حِينَ رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ مُجْتَازًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَعَيُّنُ التَّنْعِيمِ لِلْفَضْلِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّ الْفَضْلَ فِي زِيَادَةِ التَّعَبِ وَالنَّفَقَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّنْعِيمُ أَفْضَلَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى تُسَاوِيهِ إِلَى الْحِلِّ لَا مِنْ جِهَةٍ أَبْعَدَ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْفَضْلَ فِي الْعِبَادَةِ يَكْثُرُ بِكَثْرَةِ النَّصَبِ وَالنَّفَقَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ بِمُطَّرِدٍ، فَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْعِبَادَةِ أَخَفَّ مِنْ بَعْضٍ وَهُوَ أَكْثَرُ فَضْلًا وَثَوَابًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزَّمَانِ كَقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالنِّسْبَةِ لِقِيَامِ لَيَالٍ مِنْ رَمَضَانَ غَيْرِهَا، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْمَكَانِ كَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالنِّسْبَةِ لِصَلَاةِ رَكَعَاتٍ فِي غَيْرِهِ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى شَرَفِ الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ كَصَلَاةِ الْفَرِيضَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَكْثَرِ مِنْ عَدَدِ رَكَعَاتِهَا أَوْ أَطْوَلِ مِنْ قِرَاءَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ، وَكَدِرْهَمٍ مِنَ الزَّكَاةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَكْثَرِ مِنْهُ مِنَ التَّطَوُّعِ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ قَالَ: وَقَدْ كَانَتِ الصَّلَاةُ قُرَّةَ عَيْنِ النَّبِيِّ ﷺ وَهِيَ شَاقَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسَتْ صَلَاةُ غَيْرِهِ مَعَ مَشَقَّتِهَا مُسَاوِيَةً لِصَلَاتِهِ مُطْلَقًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(١) الذي في المتن "بمكان كذا" من غير تكرار
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute