النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ نَحَرُوا وَحَلَقُوا وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ الطَّوَافِ، وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْهَدْيُ إِلَى الْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا يَعُودُوا لَهُ، وَالْحُدَيْبِيَةُ خَارِجٌ مِنْ الْحَرَمِ.
١٨١٣ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ﵄ قَالَ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ: إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ. ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ. ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِئ عَنْهُ، وَأَهْدَى.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُحْصَرِ بَدَلٌ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ، أَيْ: قَضَاءٌ لِمَا أَحُصِرَ فِيهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ رَوْحٌ) يَعْنِي: ابْنَ عُبَادَةَ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ رَوْحٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُرَادُهُ بِالتَّلَذُّذِ وَهُوَ بِمُعْجَمَتَيْنِ الْجِمَاعُ. وَقَوْلُهُ: حَبَسَهُ عُذْرٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ، وَلِأَبِي ذَرٍّ حَبَسَهُ عَدُوٌّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَفِي آخِرِهِ وَاوٌ. وَقَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ أَيْ: مِنْ مَرَضٍ أَوْ نَفَادِ نَفَقَةٍ. وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُ هَذَا بِإِسْنَادٍ آخَرَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ، وَفِيهِ فَإِنْ كَانَتْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ الْفَرِيضَةِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: وَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ هَذِهِ مَسْأَلَةُ اخْتِلَافٍ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: يَذْبَحُ الْمُحْصَرُ الْهَدْيَ حَيْثُ يَحِلُّ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَذْبَحُهُ إِلَّا فِي الْحَرَمِ، وَفَصَّلَ آخَرُونَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ هُنَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ هَلْ نَحَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ، وَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: لَمْ يَنْحَرْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَّا فِي الْحَرَمِ، وَوَافَقَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي: إِنَّمَا نَحَرَ فِي الْحِلِّ.
وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ طَرِيقِ مُجَمِّعِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ نَحَرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقُوا، وَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا فَحَمَلَتْ شُعُورَهُمْ فَأَلْقَتْهَا فِي الْحَرَمِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ حَلَقُوا فِي الْحِلِّ. قُلْتُ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ مَا حَلَقُوا فِي الْحَرَمِ لِمَنْعِهِمْ مِنْ دُخُولِهِ أَنْ لَا يَكُونُوا أَرْسَلُوا الْهَدْيَ مَعَ مَنْ نَحَرَهُ فِي الْحَرَمِ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيِّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْعَثْ مَعِي بِالْهَدْيِ حَتَّى أَنْحَرَهُ فِي الْحَرَمِ، فَفَعَلَ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ، عَنْ نَاجِيَةَ، وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِسْرَائِيلَ، لَكِنْ قَالَ: عَنْ نَاجِيَةَ عَنْ أَبِيهِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ هَذَا وُجُوبُهُ، بَلْ ظَاهِرُ الْقِصَّةِ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ نَحَرَ فِي مَكَانِهِ وَكَانُوا فِي الْحِلِّ، وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى الْجَوَازِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ) هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَفْظُهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَنَحَرُوا الْهَدْيَ وَحَلَقُوا رُءُوسَهُمْ وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ الْهَدْيُ، ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا، وَلَا أَنْ يَعُودُوا لِشَيْءٍ. وَسُئِلَ مَالِكٌ
عَمَّنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute