سَوْطِي. فَقَالُوا: لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ. فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُ وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ إِسْنَادَهُمَا كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: فَاخْتَلَسَ مِنْ بَعْضِهِمْ سَوْطًا وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَقْوَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ رَأَى فِي سَوْطِ نَفْسِهِ تَقْصِيرًا فَأَخَذَ سَوْطَ غَيْرِهِ، وَاحْتَاجَ إِلَى اخْتِلَاسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَبَهُ مِنْهُ اخْتِيَارًا لَامْتَنَعَ.
قَوْلُهُ: (فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ) بِالْمُثَلَّثَةِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُثَنَّاةِ أَيْ: جَعَلْتُهُ ثَابِتًا فِي مَكَانِهِ لَا حَرَاكَ بِهِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ: فَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي النَّضْرِ: حَتَّى عَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ لَهُمْ: قُومُوا فَاحْتَمِلُوا. فَقَالُوا: لَا نَمَسُّهُ، فَحَمَلْتُهُ حَتَّى جِئْتُهُمْ بِهِ.
قَوْلُهُ: (فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ) فِي رِوَايَةِ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ: فَأَكَلُوا فَنَدِمُوا وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ: فَوَقَعُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ فَرُحْنَا وَخَبَّأْتُ الْعَضُدَ مَعِي.
وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ: فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضُهُمْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: فَجَعَلُوا يَشْوُونَ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: فَظَلِلْنَا نَأْكُلُ مِنْهُ مَا شِئْنَا طَبِيخًا وَشِوَاءً ثُمَّ تَزَوَّدْنَا مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ) أَيْ: نَصِيرُ مَقْطُوعِينَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مُنْفَصِلِينَ عَنْهُ؛ لِكَوْنِهِ سَبَقَهُمْ، وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا: وَخَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ وَبَيَّنَ ذَلِكَ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ بِلَفْظِ: وَخَشِينَا أَنْ يَقْتَطِعَنَا الْعَدُوُّ وَفِيهَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: وَأَنَّهُمْ خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعَهُمُ الْعَدُوُّ دُونَكَ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ سَبَبَ إِسْرَاعِ أَبِي قَتَادَةَ لِإِدْرَاكِ النَّبِيِّ ﷺ خَشْيَةٌ عَلَى أَصْحَابِهِ أَنْ يَنَالَهُمْ بَعْضُ أَعْدَائِهِمْ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي النَّضْرِ الْآتِيَةِ فِي الصَّيْدِ: فَأَبَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَأْكُلَ، فَقُلْتُ: أَنَا أَسْتَوْقِفُ لَكُمُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَدْرَكْتُهُ فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ فَفِي هَذَا أَنَّ سَبَبَ إِدْرَاكِهِ أَنْ يَسْتَفْتِيَهُ عَنْ قِصَّةِ أَكْلِ الْحِمَارِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْأَمْرَيْنِ.
قَوْلُهُ: (أَرْفَعُ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، أَيْ: أُكَلِّفُهُ السَّيْرَ، وَشَأْوًا بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ، أَيْ: تَارَةً، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَرْكُضُهُ تَارَةً، وَيَسِيرُ بِسُهُولَةٍ أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ.
قَوْلُهُ: (تَرَكَتْهُ بِتِعْهِنَ، وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا) السُّقْيَا - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مَقْصُورَةٌ -: قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَتِعْهِنُ بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَبِفَتْحِهَا بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ هَاءٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ نُونٌ، وَرِوَايَةُ الْأَكْثَرِ بِالْكَسْرِ وَبِهِ قَيَّدَهَا الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِ الْبِلَادِ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ، وَلِغَيْرِهِ بِفَتْحِهِمَا، وَحَكَى أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنَ الْعَرَبِ بِذَلِكَ الْمَكَانِ بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَضُمُّ التَّاءَ وَيَفْتَحُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ الْهَاءَ، قِيلَ: وَهُوَ مِنْ تَغْيِيرَاتِهِمْ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَأَغْرَبَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فَضَبَطَهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَبِتَشْدِيدِ الْهَاءِ، وَقَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُ التَّاءَ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يُسَكِّنُونَ الْعَيْنَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: بِدِعْهِنَ، بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الْمُثَنَّاةِ. وَقَوْلُهُ: قَائِلٌ قَالَ النَّوَوِيُّ: رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا بِهَمْزَةٍ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ، أَيْ: تَرَكْتُهُ فِي اللَّيْلِ وبِتِعْهِنَ وَعَزْمُهُ أَنْ يَقِيلَ بِالسُّقْيَا، فَمَعْنَى قَوْلِهِ وَهُوَ قَائِلٌ أَيْ: سَيَقِيلُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَابِلٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ، فَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ أَنَّ تِعْهِنَ مَوْضِعٌ مُقَابِلٌ لِلسُّقْيَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَعَلَى الثَّانِي الضَّمِيرُ لِلْمَوْضِعِ وَهُوَ تِعْهِنُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَصْوَبُ وَأَكْثَرُ فَائِدَةً.
وَأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ: قَوْلُهُ: وَهُوَ قَائِلٌ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْقَوْلِ أَوْ مِنَ الْقَائِلَةِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَالسُّقْيَا مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، وَكَأَنَّهُ كَانَ بِتِعْهِنَ وَهُوَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: اقْصِدُوا السُّقْيَا. وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ: وَهُوَ قَائِمٌ بِالسُّقْيَا فَأَبْدَلَ اللَّامَ فِي قَائِلٍ مِيمًا، وَزَادَ الْبَاءَ فِي السُّقْيَا، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: الصَّحِيحُ قَائِلٌ بِاللَّامِ. قُلْتُ: وَزِيَادَةُ الْبَاءِ تُوهِي الِاحْتِمَالَ الْأَخِيرَ الْمَذْكُورَ.