الْيَمِينِ، وَقَدْ مَضَى لَهَا ذِكْرٌ فِي الصَّلَاةِ فِي قِصَّةِ صَاحِبَةِ الْوِشَاحِ.
(تَنْبِيهٌ): يَلْتَبِسُ بِالْحِدَأِ الْحَدَأَةُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ: فَأْسٌ لَهُ رَأْسَانِ.
قَوْلُهُ: (وَالْعَقْرَبُ) هَذَا اللَّفْظُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَقَدْ يُقَالُ: عَقْرَبَةٌ وَعَقْرَبَاءُ، وَلَيْسَ مِنْهَا الْعُقْرُبَانُ بَلْ هِيَ دُوَيْبَّةٌ طَوِيلَةٌ كَثِيرَةُ الْقَوَائِمِ. قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: وَيُقَالُ: إِنَّ عَيْنَهَا فِي ظَهْرِهَا، وَإِنَّهَا لَا تَضُرُّ مَيِّتًا وَلَا نَائِمًا حَتَّى يَتَحَرَّكَ. وَيُقَالُ: لَدَغَتْهُ الْعَقْرَبُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَلَسَعَتْهُ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي ذِكْرِ الْحَيَّةِ بَدَلَهَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَمَنْ جَمَعَهُمَا، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ ﷺ نَبَّهَ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى عِنْدَ الِاقْتِصَارِ وَبَيَّنَ حُكْمَهُمَا مَعًا حَيْثُ جَمَعَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُهُمُ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ قَتْلِ الْعَقْرَبِ. وَقَالَ نَافِعٌ لَمَّا قِيلَ لَهُ: فَالْحَيَّةُ؟ قَالَ: لَا يُخْتَلَفُ فِيهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: وَمَنْ يَشُكُّ فِيهَا؟ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا فَقَالَا: لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْحَيَّةَ وَلَا الْعَقْرَبَ. قَالَ: وَمِنْ حُجَّتِهِمَا أَنَّهُمَا مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ فَيَلْزَمُ مَنْ أَبَاحَ قَتْلَهُمَا مِثْلُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْهَوَامِّ، وَهَذَا اعْتِلَالٌ لَا مَعْنًى لَهُ، نَعَمْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافٌ فِي قَتْلِ صَغِيرِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ الَّتِي لَا تَتَمَكَّنُ مِنَ الْأَذَى.
قَوْلُهُ: (وَالْفَأْرُ) بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَجُوزُ فِيهَا التَّسْهِيلُ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ قَتْلِهَا لِلْمُحْرِمِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: فِيهَا جَزَاءٌ إِذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ. أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ: هَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَخِلَافُ قَوْلِ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ - لَمَّا ذَكَرُوا لَهُ هَذَا الْقَوْلَ -: مَا كَانَ بِالْكُوفَةِ أَفْحَشُ رَدًّا لِلْآثَارِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ لِقِلَّةِ مَا سَمِعَ مِنْهَا، وَلَا أَحْسَنُ اتِّبَاعًا لَهَا مِنَ الشَّعْبِيِّ لِكَثْرَةِ مَا سَمِعَ. وَنَقَلَ ابْنُ شَاسٍ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافًا فِي جَوَازِ قَتْلِ الصَّغِيرِ مِنْهَا الَّذِي لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْأَذَى. وَالْفَأْرُ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا الْجُرَذُ - بِالْجِيمِ بِوَزْنِ عُمَرَ -، وَالْخُلْدُ - بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ -، وَفَأْرَةُ الْإِبِلِ، وَفَأْرَةُ الْمِسْكِ، وَفَأْرَةُ الْغَيْطِ، وَحُكْمُهَا فِي تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَجَوَازِ الْقَتْلِ سَوَاءٌ، وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ إِطْلَاقُ الْفُوَيْسِقَةِ عَلَيْهَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَتَقَدَّمَ سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَطَعَتْ حِبَالَ سَفِينَةِ نُوحٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) الْكَلْبُ مَعْرُوفٌ، وَالْأُنْثَى كَلْبَةٌ، وَالْجَمْعُ أَكْلُبٌ وَكِلَابٌ وَكَلِيبٌ بِالْفَتْحِ، كَأَعْبُدٍ وَعِبَادٍ وَعَبِيدٍ. وَفِي الْكَلْبِ بَهِيمِيَّةٌ سَبْعِيَّةٌ كَأَنَّهُ مُرَكَّبٌ. وَفِيهِ مَنَافِعُ لِلْحِرَاسَةِ وَالصَّيْدِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. وَفِيهِ مِنِ اقْتِفَاءِ الْأَثَرِ وَشَمِّ الرَّائِحَةِ وَالْحِرَاسَةِ وَخِفَّةِ النَّوْمِ وَالتَّوَدُّدِ وَقَبُولِ التَّعْلِيمِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَهُ لِلْحِرَاسَةِ نُوحٌ ﵇ وَقَدْ سَبَقَ الْبَحْثُ فِي نَجَاسَتِهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَيَأْتِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ جُمْلَةٌ مِنْ خِصَالِهِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهِ هُنَا، وَهَلْ لِوَصْفِهِ بِكَوْنِهِ عَقُورًا مَفْهُومٌ أَوْ لَا؟ فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ: الْأَسَدُ. وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ فَقَالَ: وَأَيُّ كَلْبٍ أَعَقْرُ مِنَ الْحَيَّةِ؟ وَقَالَ زُفَرُ: الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ هُنَا الذِّئْبُ خَاصَّةً. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: كُلُّ مَا عَقَرَ النَّاسَ وَعَدَا عَلَيْهِمْ وَأَخَافَهُمْ مِثْلُ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ هُوَ الْعَقُورُ. وَكَذَا نَقَلَ أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ هُنَا الْكَلْبُ خَاصَّةً، وَلَا يَلْتَحِقُ بِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ سِوَى الذِّئْبِ. وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ لِلْجُمْهُورِ بِقَوْلِهِ ﷺ: اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ. فَقَتَلَهُ الْأَسَدُ. وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَوْفَلِ بْنِ أَبِي عَقْرَبٍ عَنْ أَبِيهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ فَاشْتَقَّهَا مِنِ اسْمِ الْكَلْبِ، فَلِهَذَا قِيلَ لِكُلِّ جَارِحٍ: عَقُورٌ.
وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لِلْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ الْبَازِي وَالصَّقْرِ وَهُمَا مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِصَاصِ التَّحْرِيمِ بِالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ، وَكَذَلِكَ يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِالْكَلْبِ وَمَا شَارَكَهُ فِي صِفَتِهِ وَهُوَ الذِّئْبُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute