قَوْلُهُ: (بَابُ الْحَجِّ وَالنُّذُورِ عَنِ الْمَيِّتِ) كَذَا ثَبَتَ لِلْأَكْثَرِ بِلَفْظِ: الْجَمْعِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ النَّذْرِ بِالْإِفْرَادِ.
قَوْلُهُ: (وَالرَّجُلُ يَحُجُّ عَنِ الْمَرْأَةِ) يَعْنِي: أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْحُكْمَيْنِ، وَفِيهِ عَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ إِنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَنْ نَذْرٍ كَانَ عَلَى أَبِيهَا فَكَانَ حَقُّ التَّرْجَمَةِ أَنْ يَقُولَ: وَالْمَرْأَةُ تَحُجُّ عَنِ الرَّجُلِ. وَأَجَابَ ابْنُ بَطَّالٍ بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَاطَبَ الْمَرْأَةَ بِخِطَابٍ دَخَلَ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: اقْضُوا اللَّهَ قَالَ: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ حَجِّ الرَّجُلِ عَنِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةِ عَنِ الرَّجُلِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي جَوَازِ حَجِّ الرَّجُلِ عَنِ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةِ عَنِ الرَّجُلِ إِلَّا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ. انْتَهَى.
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَاقْضِ اللَّهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ النُّذُورِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ.
قَوْلُهُ: (إنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا وَلَا عَلَى اسْمِ أَبِيهَا، لَكِنْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ غَايِثَةَ أَوْ غَاثِيَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ أَنْ تَمْشِيَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: اقْضِ عَنْهَا. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي حَرْفِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ، وَتَرَدَّدَ هَلْ هِيَ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتَانِيَّةِ عَلَى الْمُثَلَّثَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَجَزَمَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي الْمُبْهَمَاتِ بِأَنَّهُ اسْمُ الْجُهَنِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ.
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ الْهُذَلِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَرَتِ امْرَأَةُ سِنَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ أَنْ يُسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ أُمِّهَا تُوُفِّيَتْ وَلَمْ تَحُجَّ الْحَدِيثُ لَفْظُ أَحْمَدَ، وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ سِنَانَ بْنَ سَلَمَةَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهَذَا لَا يُفَسَّرُ بِهِ الْمُبْهَمُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْمَرْأَةَ سَأَلَتْ بِنَفْسِهَا، وَفِي هَذَا أَنَّ زَوْجَهَا سَأَلَ لَهَا، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ نِسْبَةُ السُّؤَالِ إِلَيْهَا مَجَازِيَّةً، وَإِنَّمَا الَّذِي تَوَلَّى لَهَا السُّؤَالَ زَوْجُهَا، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّ الْحَجَّةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا كَانَتْ نَذْرًا، وَأَمَّا مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ عَمَّتَهُ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَعَلَيْهَا مَشْيٌ إِلَى الْكَعْبَةِ نَذْرًا، الْحَدِيثَ. فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا حُمِلَ عَلَى وَاقِعَتَيْنِ بِأَنْ تَكُونَ امْرَأَتُهُ سَأَلَتْ عَلَى لِسَانِهِ عَنْ حَجَّةِ أُمِّهَا الْمَفْرُوضَةِ، وَبِأَنْ تَكُونَ عَمَّتُهُ سَأَلَتْ بِنَفْسِهَا عَنْ حَجَّةِ أُمِّهَا الْمَنْذُورَةِ، وَيُفَسَّرُ مَنْ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهَا عَمَّةُ سِنَانٍ وَاسْمُهَا غَايِثَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ تُسَمَّ الْمَرْأَةُ وَلَا الْعَمَّةُ وَلَا أُمُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ) كَذَا رَوَاهُ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي فِي النُّذُورِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ بِلَفْظِ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَأَنَّهَا مَاتَتْ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْأَخِ سَأَلَ عَنْ أُخْتِهِ، وَالْبِنْتِ سَأَلَتْ عَنْ أُمِّهَا، وَسَيَأْتِي فِي الصِّيَامِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِلَفْظِ: قَالَتِ امْرَأَةٌ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ هُنَاكَ.
وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ أَنَّهُ اضْطِرَابٌ يُعَلُّ بِهِ الْحَدِيثُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ سَأَلَتْ عَنْ كُلٍّ مِنَ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ بُرَيْدَةَ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَأَنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ. قَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ صُومِي عَنْهَا. قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا وَلِلسُّؤَالِ عَنْ قِصَّةِ الْحَجِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصْلٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَالطَّبَرَانِيِّ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ نَذْرِ الْحَجِّ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ فَإِذَا حَجَّ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ عَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute