للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَوْلَ الْمَدِينَةِ حِمًى، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: حَمَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كُلَّ نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ بَرِيدًا بَرِيدًا، لَا يُخْبَطُ شَجَرُهُ، وَلَا يُعْضَدُ إِلَّا مَا يُسَاقُ بِهِ الْجَمَلُ.

قَوْلُهُ: (وَأَتَى النَّبِيُّ ﷺ بَنِي حَارِثَةَ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: ثُمَّ جَاءَ بَنِي حَارِثَةَ وَهُمْ فِي سَنَدِ الْحَرَّةِ أَيْ: فِي الْجَانِبِ الْمُرْتَفِعِ مِنْهَا، وَبَنُو حَارِثَةَ بِمُهْمَلَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ: بَطْنٌ مَشْهُورٌ مِنَ الْأَوْسِ، وَهُوَ حَارِثَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، وَكَانَ بَنُو حَارِثَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَبَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ وَقَعَتْ بَيْنَهُمُ الْحَرْبُ فَانْهَزَمَتْ بَنُو حَارِثَةَ إِلَى خَيْبَرَ فَسَكَنُوهَا، ثُمَّ اصْطَلَحُوا، فَرَجَعَ بَنُو حَارِثَةَ فَلَمْ يَنْزِلُوا فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَسَكَنُوا فِي دَارِهِمْ هَذِهِ، وَهِيَ غَرْبِيُّ مَشْهَدِ حَمْزَةَ.

قَوْلُهُ: (بَلْ أَنْتُمْ فِيهِ) زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: بَلْ أَنْتُمْ فِيهِ أَعَادَهَا تَأْكِيدًا. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْجَزْمِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ، وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْيَقِينَ عَلَى خِلَافِهِ رُجِعَ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ يَزِيدُ بْنُ شَرِيكِ بْنِ طَارِقٍ التَّيْمِيُّ، وَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ، كُوفِيُّونَ فِي نَسَقٍ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ عَنْهُ، وَخَالَفَهُمْ شُعْبَةُ فَرَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوِيدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ.

قَوْلُهُ: (مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ) أَيْ: مَكْتُوبٌ، وَإِلَّا فَكَانَ عِنْدَهُمْ أَشْيَاءُ مِنَ السُّنَّةِ سِوَى الْكِتَابِ، أَوِ الْمَنْفِيُّ شَيْءٌ اخْتُصُّوا بِهِ عَنِ النَّاسِ. وَسَبَبُ قَوْلِ عَلِيٍّ هَذَا يَظْهَرُ مِمَّا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ: أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالْأَمْرِ فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ فَعَلْنَاهُ. فَيَقُولُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالَ لَهُ الْأَشْتَرُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي تَقُولُ أَهُوَ شَيْءٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ؟ قَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيَّ شَيْئًا خَاصَّةً دُونَ النَّاسِ، إِلَّا شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ فَهُوَ فِي صَحِيفَةٍ فِي قِرَابِ سَيْفِي، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخْرَجَ الصَّحِيفَةَ، فَإِذَا فِيهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ: الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ. أَلَا لَا يُقْتَلْ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَقَالَ فِيهِ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا وَحِمَاهَا كُلَّهُ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا، وَلَا يُقْطَعُ مِنْهَا شَجَرَةٌ إِلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ، وَلَا يُحْمَلُ فِيهَا السِّلَاحُ لِقِتَالٍ وَالْبَاقِي نَحْوُهُ.

وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ، عَنِ الْأَشْتَرِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَلِأَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَالْأَشْتَرُ إِلَى عَلِيٍّ فَقُلْنَا: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: لَا، إِلَّا مَا فِي كِتَابِي هَذَا. قَالَ: وَكِتَابٌ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ، فَإِذَا فِيهِ: الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ فَذَكَرَ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ إِلَى قَوْلِهِ فِي عَهْدِهِ: مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، إِلَى قَوْلِهِ: أَجْمَعِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الطُّفَيْلِ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُسِرُّ إِلَيْكَ؟ فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: مَا كَانَ يُسِرُّ إِلَيَّ شَيْئًا يَكْتُمُهُ عَنِ النَّاسِ، غَيْرَ أَنَّهُ حَدَّثَنِي بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مَا خَصَّنَا بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا، فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبًا فِيهَا: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جُحَيْفَةَ قُلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا كِتَابَ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ.

قَالَ: قُلْتُ: وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَلَا يُقْتَلْ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّ الصَّحِيفَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ، فَنَقَلَ كُلُّ رَاوٍ بَعْضَهَا، وَأَتَمُّهَا سِيَاقًا طَرِيقُ أَبِي حَسَّانَ كَمَا تَرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (الْمَدِينَةُ حَرَمٌ)