كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ.
قَوْلُهُ: (يَنْعِقَانِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا قَافٌ، النَّعِيقُ زَجْرُ الْغَنَمِ، يُقَالُ نَعَقَ يَنْعِقُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا نَعِيقًا وَنُعَاقًا وَنَعَقَانًا إِذَا صَاحَ بِالْغَنَمِ، وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ: مَعْنَاهُ يَطْلُبُ الْكَلَأَ، وَكَأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِالْمَقْصُودِ مِنَ الزَّجْرِ؛ لِأَنَّهُ يَزْجُرُهَا عَنِ الْمَرْعَى الْوَبِيلِ إِلَى الْمَرْعَى الْوَسِيمِ.
قَوْلُهُ: (فَيَجِدَانِهَا وُحُوشًا) أَوْ يَجِدَانِهَا ذَاتَ وَحْشٍ، أَوْ يَجِدَانِ أَهْلَهَا قَدْ صَارُوا وُحُوشًا، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ: يَجِدَانِهَا خَالِيَةً، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا، أَيْ: خَالِيَةً لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ، وَالْوَحْشُ مِنَ الْأَرْضِ الْخَلَاءُ، أَوْ كَثْرَةُ الْوَحْشِ لَمَّا خَلَتْ مِنْ سُكَّانِهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ يَجِدَانِهَا ذَاتَ وُحُوشٍ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ وَحْشًا بِمَعْنَى وُحُوشٍ، وَأَصْلُ الْوَحْشِ كُلُّ شَيْءٍ تَوَحَّشَ مِنَ الْحَيَوَانِ وَجَمْعُهُ وُحُوشٌ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِوَاحِدِهِ عَنْ جَمْعِهِ. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الْمُرَابِطِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ غَنَمَ الرَّاعِيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ تَصِيرُ وُحُوشًا، إِمَّا بِأَنْ تَنْقَلِبَ ذَاتُهَا، وَإِمَّا أَنْ تَتَوَحَّشَ وَتَنْفِرَ مِنْهُمَا، وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِيرُ فِي يَجِدَانِهَا يَعُودُ عَلَى الْغَنَمِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ الْأَوَّلُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْقُدْرَةُ صَالِحَةٌ لِذَلِكَ. انْتَهَى.
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا يَخِرَّانِ عَلَى وُجُوهِهِمَا إِذَا وَصَلَا إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِهِمَا الْمَدِينَةَ بِلَا شَكٍّ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا وَجَدَا التَّوَحُّشَ الْمَذْكُورَ قَبْلَ دُخُولِ الْمَدِينَةِ فَيَقْوَى أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى غَنَمِهِمَا، وَكَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ. وَيُوَضِّحُ هَذَا رِوَايَةُ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا قَالَ: آخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَجُلَانِ: رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَآخَرُ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَيَقُولَانِ: أَيْنَ النَّاسُ؟ فَيَأْتِيَانِ الْمَدِينَةَ فَلَا يَرَيَانِ إِلَّا الثَّعَالِبَ، فَيَنْزِلُ إِلَيْهِمَا مَلَكَانِ فَيَسْحَبَانِهِمَا عَلَى وُجُوهِهِمَا حَتَّى يُلْحِقَاهُمَا بِالنَّاسِ.
قَوْلُهُ: وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: ثُمَّ يَخْرُجُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ حَشْرَهُمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُقَدِّمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْحَشْرَ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَذَكَرَ سَبَبَ مَوْتِهِمَا وَالْحَشْرُ يَعْقُبُهُ. وَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا: خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا أَيْ: سَقَطَا مَيِّتَيْنِ، أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا أَيْ: سَقَطَا بِمَنْ أَسْقَطَهُمَا، وَهُوَ الْمَلَكُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْعُقَيْلِيِّ: أَنَّهُمَا كَانَا يَنْزِلَانِ بِجَبَلِ وَرْقَانَ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ: أَنَّهُمَا يَفْقِدَانِ النَّاسَ فَيَقُولَانِ: نَنْطَلِقُ إِلَى بَنِي فُلَانٍ، فَيَأْتِيَانِهِمْ فَلَا يَجِدَانِ أَحَدًا فَيَقُولَانِ: نَنْطَلِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَيَنْطَلِقَانِ فَلَا يَجِدَانِ بِهَا أَحَدًا، فَيَنْطَلِقَانِ إِلَى الْبَقِيعِ فَلَا يَرَيَانِ إِلَّا السِّبَاعَ وَالثَّعَالِبَ وَهَذَا يُوَضِّحُ أَحَدَ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ آخِرُ قَرْيَةٍ فِي الْإِسْلَامِ خَرَابًا الْمَدِينَةُ وَهُوَ يُنَاسِبُ كَوْنَ آخِرِ مَنْ يُحْشَرُ يَكُونُ مِنْهَا.
(تَنْبِيهٌ): أَنْكَرَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ تَعْبِيرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: خَيْرِ مَا كَانَتْ وَقَالَ: إِنَّ الصَّوَابَ أَعْمَرِ مَا كَانَتْ، أَخْرَجَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ مِنْ طَرِيقِ مُسَاحِقِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ: لِمَ تَرُدُّ عَلَيَّ حَدِيثِي؟ فَوَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ فِي بَيْتٍ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْرُجُ مِنْهَا أَهْلُهَا خَيْرَ مَا كَانَتْ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَجَلْ وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ: خَيْرَ مَا كَانَتْ، إِنَّمَا قَالَ: أَعْمَرَ مَا كَانَتْ، وَلَوْ قَالَ: خَيْرَ مَا كَانَتْ لَكَانَ ذَلِكَ وَهُوَ حَيٌّ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: صَدَقْتَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ لَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَمَّنْ يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَلِعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِيلَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَنْ يُخْرِجُهُمْ؟ قَالَ: أُمَرَاءُ السُّوءِ
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَخُوهُ. وَفِي الْإِسْنَادِ صَحَابِيٌّ عَنْ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٌّ عَنْ تَابِعِيٍّ؛ لِأَنَّ هِشَامًا قَدْ لَقِيَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَرَوَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute