للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِإِسْقَاطِهِ أَيْضًا، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ فَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ بِالْإِسْقَاطٍ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ بِإِثْبَاتِهِ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، وَيُونُسَ بْنَ يَحْيَى رَوَيَاهُ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِالْإِسْقَاطِ أَيْضًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ فَقَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِيهِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ كَانَ تَارَةً لَا يَقُولُ عَنْ أَبِيهِ وَفِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ يَقُولُهَا، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو قَتَادَةَ الْحَرَّانِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِإِسْنَادٍ آخَرَ فَقَالَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْمَحْفُوظُ الْأَوَّلُ.

قَوْلُهُ: (قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ) زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَالْجَهْلَ وَكَذَا لِأَحْمَدَ، عَنْ حَجَّاجٍ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَالْجَهْلَ فِي الصَّوْمِ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْجَهْلَ وَالْعَمَلَ بِهِ جَعَلَ الضَّمِيرَ فِي بِهِ يُعُودُ عَلَى الْجَهْلِ، وَالْأَوَّلُ جَعَلَهُ يَعُودُ عَلَى قَوْلِ الزُّورِ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، وَلَمَّا رَوَى التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ. قُلْتُ: وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ: مَنْ لَمْ يَدَعِ الْخَنَا وَالْكَذِبَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الزُّورِ: الْكَذِبُ، وَالْجَهْلِ: السَّفَهُ، وَالْعَمَلِ بِهِ أَيْ: بِمُقْتَضَاهُ، كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَنْ يَدَعَ صِيَامَهُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ الزُّورِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: مَنْ بَاعَ الْخَمْرَ فَلْيُشَقِّصِ الْخَنَازِيرَ أَيْ: يَذْبَحُهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِذَبْحِهَا، وَلَكِنَّهُ عَلَى التَّحْذِيرِ وَالتَّعْظِيمِ لِإِثْمِ بَائِعِ الْخَمْرِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ إِرَادَةٌ فِي صِيَامِهِ فَوَضَعَ، الْحَاجَةَ مَوْضِعَ الْإِرَادَةِ، وَقَدْ سَبَقَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ، كَمَا يَقُولُ الْمُغْضَبُ لِمَنْ رَدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا طَلَبَهُ مِنْهُ فَلَمْ يَقُمْ بِهِ: لَا حَاجَةَ لِي بِكَذَا. فَالْمُرَادُ رَدُّ الصَّوْمِ الْمُتَلَبِّسِ بِالزُّورِ وَقَبُولُ السَّالِمِ مِنْهُ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ فَإِنَّ مَعْنَاهُ: لَنْ يُصِيبَ رِضَاهُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ الْقَبُولُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا ذُكِرَ لَا يُثَابُ عَلَى صِيَامِهِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ ثَوَابَ الصِّيَامِ لَا يَقُومُ فِي الْمُوَازَنَةِ بِإِثْمِ الزُّورِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّةِ الصَّوْمِ نَفْسَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، بَلْ مَا يَتْبَعُهُ مِنْ كَسْرِ الشَّهَوَاتِ وَتَطْوِيعِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ لِلنَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ نَظَرَ الْقَبُولِ، فَقَوْلُهُ: لَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ، فَنَفَى السَّبَبَ وَأَرَادَ الْمُسَبِّبَ، وَاللَّهَ أَعْلَمُ.

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تَنْقُصُ الصَّوْمَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا صَغَائِرُ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ. وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ بِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَالَّذِي مَضَى فِي أَوَّلِ الصَّوْمِ دَلَالَةً قَوِيَّةً لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الرَّفَثَ وَالصَّخَبَ وَقَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ مِمَّا عُلِمَ النَّهْيُ عَنْهُ مُطْلَقًا، وَالصَّوْمُ مَأْمُورٌ بِهِ مُطْلَقًا، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ إِذَا حَصَلَتْ فِيهِ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِهَا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهَا فِيهِ مَشْرُوطَةً فِيهِ مَعْنًى يَفْهَمُهُ، فَلَمَّا ذُكِرَتْ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ نَبَّهَتْنَا عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: زِيَادَةُ قُبْحِهَا فِي الصَّوْمِ عَلَى غَيْرِهَا، وَالثَّانِي: الْبَحْثُ عَلَى سَلَامَةِ الصَّوْمِ عَنْهَا، وَأَنَّ سَلَامَتَهُ مِنْهَا صِفَةُ كَمَالٍ فِيهِ، وَقُوَّةُ الْكَلَامِ تَقْتَضِي أَنْ يُقَبَّحَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الصَّوْمِ، فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكْمُلُ بِالسَّلَامَةِ عَنْهَا. قَالَ: فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ عَنْهَا نَقَصَ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّكَالِيفَ قَدْ تَرِدُ بِأَشْيَاءَ وَيُنَبَّهُ بِهَا عَلَى أُخْرَى بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ الصَّوْمِ الْعَدَمَ الْمَحْضَ كَمَا فِي الْمَنْهِيَّاتِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَعَلَّ الْقَصْدَ بِهِ فِي الْأَصْلِ الْإِمْسَاكُ عَنْ جَمِيعِ الْمُخَالَفَاتِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ يَشُقُّ خَفَّفَ اللَّهُ