عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلْيُفْطِرْ فَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ مَرْفُوعًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (لَتُفَزِّعَنَّ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْفَاءِ وَالزَّايِ مِنَ الْفَزَعِ وَهُوَ الْخَوْفُ أَيْ: لَتُخِيفَنَّهُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي تُخَالِفُ فَتْوَاهُ، ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ لَتَقْرَعَنَّ بِفَتْحٍ فَقَافٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَةٍ، أَيْ: تَقْرَعُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ سَمْعَهُ، يُقَالُ: قَرَعْتَ بِكَذَا سَمْعَ فُلَانٍ إِذَا أَعْلَمْتَهُ بِهِ إِعْلَامًا صَرِيحًا.
قَوْلُهُ: (وَمَرْوَانُ يَوْمئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ) أَيْ: أَمِيرٌ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ.
قَوْلُهُ: (فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) قَدْ بَيَّنَّا سَبَبَ كَرَاهَتِهِ، قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَرِهَ أَيْضًا أَنْ يُخَالِفَ مَرْوَانَ لِكَوْنِهِ كَانَ أَمِيرًا وَاجِبَ الطَّاعَةِ فِي الْمَعْرُوفِ، وَبَيَّنَ أَبُو حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ سَبَبَ تَشْدِيدِ مَرْوَانَ فِي ذَلِكَ، فَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَذَكَرُوا قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: اذْهَبْ فَاسْأَلْ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: فَذَهَبْنَا إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، أَمَا لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَتَيْنَا أُمَّ سَلَمَةَ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَتَيْنَا مَرْوَانَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ اخْتِلَافُهُمْ تَخَوُّفًا أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ مَرْوَانُ، لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا أَتَيْتَهُ فَحَدَّثْتَهُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) أَيِ: الْمَكَانِ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَوْلُهُ: (وَكَانَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ هُنَاكَ أَرْضٌ) فِيهِ رَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي سَفَرٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ الْمَذْكُورَةِ: فَقَالَ مَرْوَانُ، لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتَرْكَبَنَّ دَابَّتِي فَإِنَّهَا بِالْبَابِ فَلَتَذْهَبَنَّ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ، فَلَتُخْبِرَنَّهُ. قَالَ: فَرَكِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَرَكِبْتُ مَعَهُ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ قَصَدَ أَبَا هُرَيْرَةَ لِذَلِكَ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ مَعَهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ مِنَ التَّقْدِيرِ لَا عَلَى مَعْنَى الِاتِّفَاقِ، وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ قَوْلِهِ: بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا قَصَدَاهُ إِلَى الْعَقِيقِ فَلَمْ يَجِدَاهُ، ثُمَّ وَجَدَاهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَكَانَ لَهُ أَيْضًا بِهَا أَرْضٌ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ مَرْوَانُ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمَا لَمَا ذَهَبْتُمَا إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: فَلَقِينَا أَبَا هُرَيْرَةَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ هُنَا مَسْجِدُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْعَقِيقِ لَا الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، أَوْ يُجْمَعُ بِأَنَّهُمَا الْتَقَيَا بِالْعَقِيقِ فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقِصَّةَ مُجْمَلَةً أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا بَلْ شَرَعَ فِيهَا ثُمَّ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذِكْرُ تَفْصِيلِهَا وَسَمَاعُ جَوَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ رَجَعَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ.
قَوْلُهُ: (إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِنِّي أَذْكُرُ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ.
قَوْلُهُ: (لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: لَمْ أَذْكُرْ ذَلِكَ وَفِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ مَعَ الْأَكَابِرِ، وَتَقْدِيمُ الِاعْتِذَارِ قَبْلَ تَبْلِيغِ مَا يَظُنُّ الْمُبَلِّغُ أَنَّ الْمُبَلَّغَ يَكْرَهُهُ.
قَوْلُهُ: (فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ الْفَضْلُ مِثْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مُخَالَفَةِ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِقَوْلِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الْإِبْهَامِ أَنَّ رِوَايَةَ شُعَيْبٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لَمْ يَذْكُرْ فِي أَوَّلِهَا كَلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلِذَلِكَ أَشْكَلَ أَمْرُ الْإِشَارَةِ بِقَوْلِهِ كَذَلِكَ. وَوَقَعَ كَلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلِذَلِكَ قَالَ فِي آخِرِهِ: سَمِعْتُ ذَلِكَ - أَيِ: الْقَوْلَ الَّذِي كُنْتُ أَقُولُهُ - مِنَ الْفَضْلِ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: فَتَلَوَّنَ وَجْهُ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي الْفَضْلُ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَعْلَمُ) أَيْ: بِمَا رَوَى وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لَا عَلَيَّ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، عَنِ الْبُخَارِيِّ: وَهُنَّ أَعْلَمُ أَيْ: أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَهُمَا قَالَتَاهُ؟ قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ وَهَذَا يُرَجِّحُ رِوَايَةَ النَّسَفِيِّ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي