للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ: إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) هَذَانِ الْأَثَرَانِ وَصَلَهُمَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَوْ وَطِئَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَظَهَرَ بِأَثَرِ الْحَسَنِ هَذَا مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذَا الْأَثَرِ لِلتَّرْجَمَةِ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ امْرَأَتَهُ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ، قَالَ: لَا يَنْسَى، هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَتَابَعَ عَطَاءً عَلَى ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَفَرَّقَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ. وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ: تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا، وَحُجَّتُهُمْ قُصُورُ حَالَةِ الْمُجَامِعِ نَاسِيًا عَنْ حَالَةِ الْآكِلِ، وَأَلْحَقَ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ أَكَلَ كَثِيرًا لِنُدُورِ نِسْيَانِ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى إِيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ، فَإِنَّ الصَّوْمَ قَدْ فَاتَ رُكْنُهُ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَأْمُورَاتِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَأْمُورَاتِ. قَالَ: وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقَضَاءَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِتْمَامِ، وَسَمَّى الَّذِي يُتَمُّ صَوْمًا، وَظَاهِرُهُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَيُتَمَسَّكُ بِهِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّوْمِ هُنَا حَقِيقَتُهُ اللُّغَوِيَّةُ. وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِهَذَا إِلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ أَيِ: الَّذِي كَانَ دَخَلَ فِيهِ، وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْقَضَاءِ. قَالَ: وَقَوْلُهُ: فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الصَّوْمِ؛ لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّ الْفِعْلَ الصَّادِرَ مِنْهُ مَسْلُوبُ الْإِضَافَةِ إِلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ أَفْطَرَ لَأُضِيفَ الْحُكْمُ إِلَيْهِ، قَالَ: وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلْغَالِبِ؛ لِأَنَّ نِسْيَانَ الْجِمَاعِ نَادِرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا، وَذِكْرُ الْغَالِبِ لَا يَقْتَضِي مَفْهُومًا، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ أَكْلَ النَّاسِي لَا يُوجِبُ قَضَاءً، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْإِفْسَادِ هَلْ يُوجِبُ مَعَ الْقَضَاءِ الْكَفَّارَةَ أَوْ لَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ أَكْلَ النَّاسِي لَا يُوجِبُهَا، وَمَدَارُ كُلِّ ذَلِكَ عَلَى قُصُورِ حَالَةِ الْمَجَامِعِ نَاسِيًا عَنْ حَالَةِ الْآكِلِ، وَمَنْ أَرَادَ إِلْحَاقَ الْجِمَاعِ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا طَرِيقُهُ الْقِيَاسُ وَالْقِيَاسُ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ مُتَعَذِّرٌ، إِلَّا إنْ بَيَّنَ الْقَائِسُ أَنَّ الْوَصْفَ الْفَارِقَ مُلْغًى اهـ.

وَأَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَنِ الْمَجَامِعِ مَأْخُوذٌ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ بِالذِّكْرِ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى لِكَوْنِهِمَا أَغْلَبَ وُقُوعًا، وَلِعَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمَا غَالِبًا.

قَوْلُهُ: (هِشَامٌ) هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ.

قَوْلُهُ: (إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ هِشَامٍ: مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ. وَلِلْمُصَنِّفِ فِي النَّذْرِ مِنْ طَرِيقِ عَوْفٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ. وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، وَأَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا وَأَنَا صَائِمٌ، وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَاوِي الْحَدِيثِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

قَوْلُهُ: (فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: فَلَا يُفْطِرْ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ) فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ. ولِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ: فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: تَمَسَّكَ جَمِيعُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَتَطَلَّعَ مَالِكٌ إِلَى الْمَسْأَلَةِ مِنْ طَرِيقِهَا فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ ضِدُّ الصَّوْمِ وَالْإِمْسَاكَ رُكْنُ الصَّوْمِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَسِيَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ. قَالَ: وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ: لَا قَضَاءَ عَلَيْكَ فَتَأَوَّلَهُ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: لَا قَضَاءَ عَلَيْكَ الْآنَ، وَهَذَا تَعَسُّفٌ، وَإِنَّمَا أَقُولُ: لَيْتَهُ صَحَّ فَنَتَّبِعُهُ وَنَقُولُ بِهِ، إِلَّا عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فِي أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إِذَا جَاءَ بِخِلَافِ الْقَوَاعِدِ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ، فَلَمَّا جَاءَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ الْمُوَافِقُ لِلْقَاعِدَةِ فِي رَفْعِ الْإِثْمِ عَمِلْنَا بِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا يُوَافِقُهَا فَلَمْ نَعْمَلُ بِهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ احْتَجَّ بِهِ