لِي يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مِنَ الصَّحِيحِ، وَعَادَةُ الْبُخَارِيِّ الْإِتْيَانُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فِي الْمَوْقُوفَاتِ إِذَا أَسْنَدَهَا. وَقَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ.
قَوْلُهُ: (إِذَا قَاءَ فَلَا يُفْطِرْ، إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلَا يُولِجُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ: أَنَّهُ يُخْرِجُ وَلَا يُولِجُ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُؤوِّلُونَ الظَّاهِرَ بِالْأَقْيِسَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ، وَنَقَضَ غَيْرُهُ هَذَا الْحَصْرَ بِالْمَنِيِّ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَخْرُجُ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُفْطِرُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى مَا رَوَاهُ هُوَ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ قَالَ: قَالَ لِي مُسَدَّدٌ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ: مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنِ اسْتِقَاءَ فَلْيَقْضِ قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَمْ يَصِحَّ، وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَنَقَلَ عَنْ عِيسَى أَنَّهُ قَالَ: زَعَمَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ أَنَّ هِشَامًا وَهَمَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ ذَا شَيْءٌ. وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ هِشَامٍ. وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْهُ فَقَالَ: لَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا. انْتَهَى.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ أَيْضًا عَنْ هِشَامٍ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. قُلْتُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِذَا قَاءَ لَا يُفْطِرُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: إِنَّهُ يُفْطِرُ مِمَّا فُصِّلَ فِي حَدِيثِهِ هَذَا الْمَرْفُوعِ، فَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: قَاءَ أَنَّهُ تَعَمَّدَ الْقَيْءَ وَاسْتَدْعَى بِهِ، وَبِهَذَا أَيْضًا يُتَأَوَّلُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مُصَحَّحًا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَاءَ فَأَفْطَرَ أَيِ: اسْتَقَاءَ عَمْدًا، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِ مَنْ أَوَّلَهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى قَاءَ فَضَعُفَ فَأَفْطَرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْقَيْءَ فَطَّرَهُ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ قَاءَ فَأَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا عُقِّبَ بِالْفَاءِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْعِلَّةُ كَقَوْلِهِمْ: سَهَا فَسَجَدَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ) أَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، قَالَ: الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، وَالْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ، وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي: ابْنَ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ وَإِنَّمَا أَخَذَ عَنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ عِكْرِمَةَ فَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَكَانَ يَحْتَجِمُ بِاللَّيْلِ) وَصَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ وَرُوِّيْنَاهُ فِي نُسْخَةِ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ تَرَكَهُ لِأَجْلِ الضَّعْفِ هَكَذَا وَجَدْتُهُ مُنْقَطِعًا، وَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ كَثِيرَ الِاحْتِيَاطِ، فَكَأَنَّهُ تَرَكَ الْحِجَامَةَ نَهَارًا لِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلًا) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ مُمْسِيًا فَوَجَدْتُهُ يَأْكُلُ تَمْرًا وَكَامِخًا وَقَدِ احْتَجَمَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا تَحْتَجِمُ نَهَارًا؟ قَالَ: أَتَأْمُرُنِي أَنْ أُهْرِيقَ دَمِي وَأَنَا صَائِمٌ؟ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ بَكْرٍ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَحْتَجِمُ لَيْلًا فَقُلْتُ: أَلَا كَانَ هَذَا نَهَارًا؟ فَقَالَ: أَتَأْمُرُنِي أَنْ أُهْرِيقَ دَمِي وَأَنَا صَائِمٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute