قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ صَوْمِ النَّبِيِّ ﷺ أَيِ: التَّطَوُّعُ (وَإِفْطَارِهِ) أَيْ: فِي خَلَلِ صِيَامِهِ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: لَمْ يُضِفِ الْمُصَنِّفُ التَّرْجَمَةَ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَأَطْلَقَهَا لِيُفْهَمَ التَّرْغِيبُ لِلْأُمَّةِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي إِكْثَارِ الصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ، وَقَصَدَ بِهَذِهِ شَرْحَ حَالِ النَّبِيِّ ﷺ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ: الْأَوَّلُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ.
قَوْلُهُ: (مَا صَامَ النَّبِيُّ ﷺ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: مَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ شَهْرًا تَامًّا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ غَيْرَ رَمَضَانَ.
قَوْلُهُ: (وَيَصُومُ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ: وَكَانَ يَصُومُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لَا وَاللَّهِ لَا يُفْطِرُ) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ: حَتَّى يَقُولُوا: مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ أَنَسٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) أَيِ: ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ الْمَدَنِيُّ، وَحُمَيْدٌ هُوَ الطَّوِيلُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى نظَنَّ) بِنُونِ الْجَمْعِ وَبِالتَّحْتَانِيَّةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَيَجُوزُ بِالْمُثَنَّاةِ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا رَأَيْتَهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ مَعًا.
قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَصُومَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ فِي يَصُومَ النَّصْبُ وَالرَّفْعُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِأَبِي ذَرٍّ هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ سُلَيْمَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسًا فِي الصَّوْمِ) كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ هَذَا هُوَ ابْنُ بِلَالٍ، لَكِنْ لَمْ أَرَهُ بَعْدَ التَّتَبُّعِ التَّامِّ مِنْ حَدِيثِهِ فَظَهَرَ لِي أَنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، وَقَدْ وَصَلَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَهُ عَقِبَ هَذَا، وَفِيهِ: سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ صِيَامِ النَّبِيِّ ﷺ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَتَمَّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، لَكِنْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ فِيهِ تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ، وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ مَزِيدَةً كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَائِمًا إِلَّا رَأَيْتُهُ) يَعْنِي: أَنَّ حَالَهُ فِي التَّطَوُّعِ بِالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ كَانَ يَخْتَلِفُ، فَكَانَ تَارَةً يَقُومُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَتَارَةً فِي وَسَطِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ، كَمَا كَانَ يَصُومُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَتَارَةً مِنْ وَسَطِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ، فَكَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَرَاهُ فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ قَائِمًا أَوْ فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ الشَّهْرِ صَائِمًا فَرَاقَبَهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُصَادِفَهُ قَامَ أَوْ صَامَ عَلَى وَفْقِ مَا أَرَادَ أَنْ يَرَاهُ، هَذَا مَعْنَى الْخَبَرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ وَلَا أَنَّهُ كَانَ يَسْتَوْعِبُ اللَّيْلَ قِيَامًا. وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْآتِيَةِ بَعْدَ أَبْوَابٍ: كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَا اتَّخَذَهُ رَاتِبًا لَا مُطْلَقَ النَّافِلَةِ، فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَإِلَّا فَظَاهِرُهُمَا التَّعَارُضُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مَسِسْتُ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى عَلَى الْأَفْصَحِ، وَكَذَا شَمِمْتُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحُهَا لُغَةٌ حَكَاهَا الْفَرَّاءُ، وَيُقَالُ فِي مُضَارِعِهِ أَشَمُّهُ وَأَمَسُّهُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا عَلَى الْأَفْصَحِ، وَبِالضَّمِّ عَلَى اللُّغَةِ الْمَذْكُورَةِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ رَائِحَةِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَفِيهِ أَنَّهُ ﷺ كَانَ عَلَى أَكْمَلِ الصِّفَاتِ خَلْقًا وَخُلُقًا، فَهُوَ كُلُّ الْكَمَالِ وَجُلُّ الْجَلَالِ وَجُمْلَةُ الْجَمَالِ - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ -، وَسَيَأْتِي شَرْحُ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ صِفَةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ،