للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُطَرِّفٍ بِلَفْظِ: هَلْ صُمْتَ مِنْ سُرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئًا يَعْنِي: شَعْبَانَ، وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ هُدْبَةَ وَلَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ وَلَا قُطْرِ بْنِ حَمَّادٍ وَلَا عَفَّانَ وَلَا عَبْدِ الصَّمَدِ وَلَا غَيْرِهِمْ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَمُسْلِمٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَلَا فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ رَمَضَانَ فِي قَوْلِهِ: يَعْنِي: رَمَضَانَ ظَرْفًا لِلْقَوْلِ الصَّادِرِ مِنْهُ لَا لِصِيَامِ الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ، فَيُوَافِقُ رِوَايَةَ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ مُطَرِّفٍ فَإِنَّ فِيهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَالَ لَهُ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ ثَابِتٌ. . . إِلَخْ) وَصَلَهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْهُ كَذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ مِنَ الزِّيَادَةِ هُنَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَشَعْبَانُ أَصَحُّ وَالسَّرَرُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَضَمُّهَا جَمْعُ سُرَّةٍ وَيُقَالُ أَيْضًا: سَرَارٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ، وَرَجَّحَ الْفَرَّاءُ الْفَتْحَ، وَهُوَ مِنَ الِاسْتِسْرَارِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ بِالسُّرَرِ هُنَا آخِرُ الشَّهْرِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهَا وَهِيَ لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ.

وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ سُرَرُهُ أَوَّلُهُ، وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ كَالْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: السُّرَرُ وَسَطُ الشَّهْرِ. حَكَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ السُّرَرَ جَمْعُ سُرَّةٍ وَسُرَّةُ الشَّيْءِ وَسَطُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ النَّدْبُ إِلَى صِيَامِ الْبِيضِ، وَهِيَ وَسَطُ الشَّهْرِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي صِيَامِ آخِرِ الشَّهْرِ نَدْبٌ، بَلْ وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ وَهُوَ آخِرُ شَعْبَانَ لِمَنْ صَامَهُ لِأَجْلِ رَمَضَانَ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ مُسْلِمًا أَفْرَدَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا سُرَّةُ هَذَا الشَّهْرِ عَنْ بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ وَأَرْدَفَ بِهَا الرِّوَايَاتِ الَّتِي فِيهَا الْحَضُّ عَلَى صِيَامِ الْبِيضِ، وَهِيَ وَسَطُ الشَّهْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ لَمْ أَرَهُ فِي جَمِيعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ سُرَّةٌ بَلْ هُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ وَجْهَيْنِ بِلَفْظِ: سِرَارٍ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ فِي بَعْضِهَا سُرَرٌ وَفِي بَعْضِهَا سِرَارٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ آخِرُ الشَّهْرِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: سُؤَالُهُ عَنْ ذَلِكَ سُؤَالُ زَجْرٍ وَإِنْكَارٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى أَنْ يُسْتَقْبَلَ الشَّهْرُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِقَضَاءِ ذَلِكَ، وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِالْوَفَاءِ وَأَنْ يَقْضِي ذَلِكَ فِي شَوَّالٍ. انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: قَوْلُهُ: سُؤَالُ إِنْكَارٍ فِيهِ تَكَلُّفٌ، وَيَدْفَعُ فِي صَدْرِهِ قَوْلُ الْمَسْئُولِ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَوْ كَانَ سُؤَالَ إِنْكَارٍ لَكَانَ قَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَامَ، والْفَرْضُ أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَصُمْ، فَكَيْفَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ فِعْلَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ كَانَتْ لَهُ عَادَةً بِصِيَامِ آخِرِ الشَّهْرِ، فَلَمَّا سَمِعَ نَهْيَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدٌ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَلَمْ يَبْلُغْهُ الِاسْتِثْنَاءُ تَرَكَ صِيَامَ مَا كَانَ اعْتَادَهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهُ بِقَضَائِهَا لِتَسْتَمِرَّ مُحَافَظَتُهُ عَلَى مَا وَظَّفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كَلَامًا جَرَى مِنَ النَّبِيِّ جَوَابًا لِكَلَامٍ لَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا اهـ.

وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْمَأْخَذِ. وَقَالَ آخَرُونَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِيَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ يَقْصِدُ بِهِ التَّحَرِّيَ لِأَجْلِ رَمَضَانَ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ اعْتَادَهُ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ حَدِيثِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ إِلَّا مَنْ كَانَتْ لَهُ عَادَةٌ، وَأَشَارَ الْقُرْطُبِيُّ إِلَى أَنَّ الْحَامِلَ لِمَنْ حَمَلَ سُرَرَ الشَّهْرِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ - وَهُوَ آخِرُ الشَّهْرِ - الْفِرَارُ مِنَ الْمُعَارَضَةِ؛ لِنَهْيِهِ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِيَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَقَالَ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مُمْكِنٌ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى مَنْ لَيْسَتْ لَهُ عَادَةٌ بِذَلِكَ، وَحَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى مَنْ لَهُ عَادَةٌ حَمْلًا لِلْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ عَلَى مُلَازَمَةِ عَادَةِ الْخَيْرِ حَتَّى لَا يُقْطَعُ، قَالَ: وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى فَضِيلَةِ الصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ، وَأَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْهُ يَعْدِلُ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فِي غَيْرِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ يَعْنِي: مَكَانَ الْيَوْمِ الَّذِي فَوَّتَّهُ مِنْ صِيَامِ شَعْبَانَ.

قُلْتُ: وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا إِنْ كَانَتْ عَادَةُ الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ أَنْ