للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ.

قَوْلُهُ: (عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ) زَادَ يُونُسُ: بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا وَكَأَنَّهُ تَأَخَّرَ بِمَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ فِي حَجَّتِهِ إِلَى يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَّ أَوَّلَ حَجَّةٍ حَجَّهَا مُعَاوِيَةُ بَعْدَ أَنِ اسْتُخْلِفَ كَانَتْ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَآخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَجَّةُ الْأَخِيرَةُ.

قَوْلُهُ: (أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ)؟ فِي سِيَاقِ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَرَ لَهُمُ اهْتِمَامًا بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ، فَلِذَلِكَ سَأَلَ عَنْ عُلَمَائِهِمْ، أَوْ بَلَغَهُ عَمَّنْ يَكْرَهُ صِيَامَهُ أَوْ يُوجِبُهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ. . . إِلَخْ) هُوَ كُلُّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ كَمَا بَيَّنَهُ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ، وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا قَطُّ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ: وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ عَلَى الدَّوَامِ كَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ عَامٌّ خُصَّ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى تَقَدُّمِ وُجُوبِهِ، أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا الْأَمْرُ السَّابِقُ بِصِيَامِهِ الَّذِي صَارَ مَنْسُوخًا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا صَحِبَ النَّبِيَّ مِنْ سَنَةِ الْفَتْحِ، وَالَّذِينَ شَهِدُوا أَمْرَهُ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ وَالنِّدَاءَ بِذَلِكَ شَهِدُوهُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى أَوَائِلَ الْعَامِ الثَّانِي، وَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِصَوْمِهِ، ثُمَّ تَأَكَّدَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ، ثُمَّ زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ بِالنِّدَاءِ الْعَامِّ ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ مَنْ أَكَلَ بِالْإِمْسَاكِ ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ الْأُمَّهَاتِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ فِيهِ الْأَطْفَالَ، وَبِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ: لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَا تُرِكَ اسْتِحْبَابُهُ، بَلْ هُوَ بَاقٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَتْرُوكَ وُجُوبُهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمُ: الْمَتْرُوكُ تَأَكُّدُ اسْتِحْبَابِهِ وَالْبَاقِي مُطْلَقُ اسْتِحْبَابِهِ فَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، بَلْ تَأَكُّدُ اسْتِحْبَابِهِ بَاقٍ وَلَا سِيَّمَا مَعَ اسْتِمْرَارِ الِاهْتِمَامِ بِهِ حَتَّى فِي عَامِ وَفَاتِهِ حَيْثُ يَقُولُ: لَئِنْ عِشْتُ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ وَلِتَرْغِيبِهِ فِي صَوْمِهِ، وَأَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً، وَأَيُّ تَأْكِيدٍ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا؟

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سَبَبِ صِيَامِ عَاشُورَاءَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ عِنْدَ أَيُّوبَ بِوَاسِطَةٍ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

قَوْلُهُ: (قَدِمَ النَّبِيُّ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: مَا هَذَا) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذَا؟ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي تَفْسِيرِ طه مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَسَأَلَهُمْ.

قَوْلُهُ: (هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ.

قَوْلُهُ: (فَصَامَهُ مُوسَى) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ: شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى فَنَحْنُ نَصُومُهُ. وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْهِجْرَةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي بِشْرٍ: وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ. وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ شُبَيْلِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ فَصَامَهُ نُوحٌ شُكْرًا وَقَدِ اسْتُشْكِلَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ حِينَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَإِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ أَوَّلَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَسُؤَالِهِ عَنْهُ كَانَ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَا أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَهَا عَلِمَ ذَلِكَ، وَغَايَتُهُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ: قَدِمَ النَّبِيُّ الْمَدِينَةَ فَأَقَامَ إِلَى يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ فِيهِ صِيَامًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ الْيَهُودُ كَانُوا يَحْسِبُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ بِحِسَابِ السِّنِينَ الشَّمْسِيَّةِ فَصَادَفَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ بِحِسَابِهِمُ الْيَوْمَ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ الْمَدِينَةَ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مِمَّا يَتَرَجَّحُ بِهِ أَوْلَوِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَأَحَقِّيَّتُهُمْ بِمُوسَى ؛ لِإِضْلَالِهِمُ الْيَوْمَ الْمَذْكُورَ وَهِدَايَةِ اللَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ لَهُ، وَلَكِنَّ سِيَاقَ الْأَحَادِيثِ تَدْفَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ.

ثُمَّ وَجَدْتُ فِي