أَيْ: هَيْئَتَهُمُ الْحَسَنَةَ، وَقَوْلُهُ: هَذَا يَوْمٌ الْإِشَارَةُ إِلَى نَوْعِ الْيَوْمِ لَا إِلَى شَخْصِهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ فِيمَا ذَكَرَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً.
قَوْلُهُ: (مَا رَأَيْتُ. . . إِلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ رَمَضَانَ، لَكِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَسْنَدَ ذَلِكَ إِلَى عِلْمِهِ، فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَرُدُّ عِلْمَ غَيْرِهِ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا: إِنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً، وَإِنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ: إِنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مَنْسُوبٌ إِلَى مُوسَى ﵇ وَيَوْمَ عَرَفَةَ مَنْسُوبٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَلِذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ.
قَوْلُهُ: (يَتَحَرَّى) أَيْ: يَقْصِدُ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا الشَّهْرُ يَعْنِي: شَهْرَ رَمَضَانَ) كَذَا ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: وَهَذَا الشَّهْرُ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى شَيْءٍ مَذْكُورٍ، كَأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ رَمَضَانَ وَذِكْرُ عَاشُورَاءَ أَوْ كَانَتِ الْمَقَالَةُ فِي أَحَدِ الزَّمَانَيْنِ وَذَكَرَ الْآخَرَ، فَلِهَذَا قَالَ الرَّاوِي عَنْهُ: يَعْنِي رَمَضَانَ. أَوْ أَخَذَهُ الرَّاوِي مِنْ جِهَةِ الْحَصْرِ فِي أَنْ لَا شَهْرَ يُصَامُ إِلَّا رَمَضَانَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا إِلَّا رَمَضَانَ وَإِنَّمَا جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَيْنَ عَاشُورَاءَ وَرَمَضَانَ - وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا وَاجِبًا وَالْآخَرُ مَنْدُوبًا - لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي حُصُولِ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى يَتَحَرَّى أَيْ: يَقْصِدُ صَوْمَهُ لِتَحْصِيلِ ثَوَابِهِ وَالرَّغْبَةِ فِيهِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي الْأَمْرِ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الصِّيَامِ فِي بَابٌ: إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا وَأَخْرَجَهُ عَالِيًا أَيْضًا ثُلَاثِيًّا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى إِجْزَاءِ الصَّوْمِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِمَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَوْمَهُ وَيُجْزِئُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ، وَأَنَّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَمْرَ مَنْ كَانَ أَكَلَ بِقَضَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَ الْأَمْرِ بِإِمْسَاكِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(خَاتِمَةٌ): اشْتَمَلَ كِتَابُ الصِّيَامِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى هُنَا عَلَى مِائَةٍ وَسَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ حَدِيثًا. الْمُعَلَّقُ مِنْهَا سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا، وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ، وَالْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى ثَمَانِيَةٌ وَسِتُّونَ حَدِيثًا، وَالْخَالِصُ تِسْعَةٌ وَثَمَانُونَ حَدِيثًا، وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَحَدِيثِ عَمَّارٍ فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ، وَحَدِيثِ أَنَسٍ: آلَى مِنْ نِسَائِهِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَمْرِ بِفِطْرِ الْجُنُبِ، وَحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ فِي السِّوَاكِ، وَحَدِيثِ عَائِشَةَ: السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ، فَالَّذِي خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَحَدِيثِ جَابِرٍ فِيهِ، وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فِيهِ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ وَحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ سِوَى الْأَوَّلِ مُعَلَّقَاتٌ، وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ وَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي كَرَاهَةِ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي نَسْخِ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ وَحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي ذَلِكَ، وَحَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الصَّحَابِيِّ فِي تَحْوِيلِ الصِّيَامِ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّفْرِيطِ، وَحَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ إِبْقَاءً عَلَيْهِمْ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مُعَلَّقَاتٌ، وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ، وَحَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ فِي قِصَّةِ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي الدُّخُولِ عَلَى أُمّ سُلَيْمٍ، وَحَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي نَذْرِ صَوْمِ
يَوْمِ الْعِيدِ، وَحَدِيثِهِ فِي صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى شَكٍّ فِي رَفْعِهِمَا. وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ سِتُّونَ أَثَرًا أَكْثَرُهَا مُعَلَّقٌ وَالْيَسِيرُ مِنْهَا مَوْصُولٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute