عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَقال رسول الله ﷺ: "سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ"
[الحديث ٢٠٥٧_ طرفاه في: ٥٥٠٧، ٧٣٩٨]
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الْوَسَاوِسَ وَنَحْوَهَا مِنَ الشُّبُهَاتِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنَ الْمُشَبَّهَاتِ بِمِيمٍ وَتَثْقِيلٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِمُثَنَّاةٍ بَدَلَ التَّثْقِيلِ وَالْكُلُّ بِمَعْنَى مُشْكِلَاتٍ، وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِبَيَانِ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّنَطُّعِ فِي الْوَرَعِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: الْوَرَعُ أَقْسَامٌ: وَرَعُ الصِّدِّيقِينَ وَهُوَ تَرْكُ مَا لَا يُتَنَاوَلُ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْقُوَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَوَرَعُ الْمُتَّقِينَ وَهُوَ تَرْكُ مَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَكِنْ يُخْشَى أَنْ يَجُرَّ إِلَى الْحَرَامِ، وَوَرَعُ الصَّالِحِينَ وَهُوَ تَرْكُ مَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ احْتِمَالُ التَّحْرِيمِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ مَوْقِعٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ وَرَعُ الْمُوَسْوَسِينَ، قَالَ: وَوَرَاءَ ذَلِكَ وَرَعُ الشُّهُودِ وَهُوَ تَرْكُ مَا يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ، أَيْ: أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَتْرُوكُ حَرَامًا أَمْ لَا. انْتَهَى. وَغَرَضُ الْمُصَنِّفِ هُنَا بَيَانُ وَرَعِ الْمُوَسْوَسِينَ كَمَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ أَكْلِ الصَّيْدِ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ كَانَ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ أَفْلَتَ مِنْهُ، وَكَمَنَ يَتْرُكُ شِرَاءَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَجْهُولٍ لَا يَدْرِي أَمَالُهُ حَلَالٌ أَمْ حَرَامٌ وَلَيْسَتْ هُنَاكَ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَى الثَّانِي، وَكَمَنَ يَتْرُكُ تَنَاوُلَ الشَّيْءِ لِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ مُتَّفَقٍ عَلَى ضَعْفِهِ وَعَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَيَكُونُ دَلِيلُ إِبَاحَتِهِ قَوِيًّا وَتَأْوِيلُهُ مُمْتَنِعٌ أَوْ مُسْتَبْعَدٌ. ثم ذكر حديثين: الأول قَوْلُهُ: (عَنِ الزُّهْرِيِّ) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ الْمَذْكُورَةِ: أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَسِيَاقُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ طَرِيقَ سَعِيدٍ مُرْسَلَةٌ وَطَرِيقَ عَبَّادٍ مَوْصُولَةٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمِزِّيُّ لِتَمْيِيزِ ذَلِكَ فِي الْأَطْرَافِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ) هُوَ مُحَمَّدٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو سَلَمَةَ، وَاسْمُ وَالِدِ أَبِي حَفْصَةَ مَيْسَرَةُ وَهُوَ بَصْرِيٌّ نَزَلَ الْجَزِيرَةَ، وَظَنَّ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ مُحَمَّدًا هَذَا وَسَالِمَ بْنَ أَبِي حَفْصَةَ، وَعِمَارَةَ بْنَ أَبِي حَفْصَةَ إِخْوَةٌ، فَجَزَمَ بِذَلِكَ هُنَا فَوَهَمَ فِيهِ وَهْمًا فَاحِشًا، فَإِنَّ وَالِدَ سَالِمٍ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَهُوَ كُوفِيٌّ، وَوَالِدُ عُمَارَةَ اسْمُهُ نَابِتٌ بِالنُّونِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ، وَهُوَ بَصْرِيٌّ أَيْضًا، لَكِنَّ مَيْسَرَةَ مَوْلَى نَابِتٍ عَرَبِيٌّ، وَسَالِمَ بْنَ أَبِي حَفْصَةَ مِنْ طَبَقَةٍ أَعْلَى مِنْ طَبَقَةِ الِاثْنَيْنِ.
قَوْلُهُ: (لَا وُضُوءَ. . . إِلَخْ) وَصَلَ أَحْمَدُ أَثَرَ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ الْمَذْكُورَ مِنْ طُرُقٍ، وَوَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي مُسْنَدِ أَبِي الْعَبَّاسِ السِّرَاجِ وَلَفْظُهُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ مَرْفُوعًا بِاللَّفْظِ الْمُعَلَّقِ، وَمَشَى بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ لَا وُضُوءَ. . . إِلَخْ فَجَزَمَ بِأَنَّ هَذَا الْمَتْنَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ لِمَا ذَكَرْتُهُ عَنْ مُسْنَدَيْ أَحْمَدَ، وَالسِّرَاجِ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْبُخَارِيِّ بِهَذَا الِاخْتِصَارِ كَثِيرًا، وَالتَّقْدِيرُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا السَّنَدِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا وُضُوءَ الْحَدِيثَ. وَأَقْرَبُ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا مَضَى فِي الصَّوْمِ فِي بَابُ إِذَا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ قِيلَ: لِهِشَامٍ: أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: وَبُدٌّ مِنْ قَضَاءٍ؟. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ هِشَامًا: لَا أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لَا فَهَذَا أَيْضًا فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ سَمِعْتُ هِشَامًا، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامٍ (١) بِالسَّنَدِ وَالْمَتْنِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَقَالَ إِنْسَانٌ لِهِشَامٍ: أَقَضَوْا أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ كَذَلِكَ، وَأَوْرَدْتُهُ
(١) في هامش طبعة بولاق: هكذا في النسخ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute