للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَكَاهُ الطِّيبِيُّ. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَسَقُ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ الِاحْتِرَافَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ عَاطِفًا لَهُ عَلَى فَسَيَأْكُلُ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَهْلَ لَتَنَافَرَ. انْتَهَى. وَجَزَمَ الْبَيْضَاوِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ: آلُ أَبِي بَكْرٍ عُدُولٌ عَنِ الْمُتَكَلِّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ، قَالَ: وَقِيلَ: أَرَادَ نَفْسَهُ، وَالْأَوَّلُ مُقْحَمٌ لِقَوْلِهِ: وَأَحْتَرِفُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، بَلِ الْمَعْنَى أَنِّي كُنْتُ أَكْتَسِبُ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَهُ وَالْآنَ أَكْتَسِبُ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَائِدَةُ الِالْتِفَاتِ أَنَّهُ جَرَّدَ مِنْ نَفْسِهِ شَخْصًا كَسُوبًا لِمُؤْنَةِ الْأَهْلِ بِالتِّجَارَةِ فَامْتَنَعَ لِشُغْلِهِ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الِاكْتِسَابِ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِالْعِلَّةِ، وَأَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِالشُّغْلِ الْمَذْكُورِ حَقِيقٌ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ وَعِيَالُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَخَصَّ الْأَكْلَ مِنْ بَيْنِ الِاحْتِيَاجَاتِ لِكَوْنِهِ أَهَمَّهَا وَمُعْظَمَهَا. قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ عَرَضِ الْمَالِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ قَدْرَ حَاجَتِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ إِمَامٌ يَقْطَعُ لَهُ أُجْرَةً مَعْلُومَةً، وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ.

قُلْتُ: لَكِنْ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي كَانَ يَتَنَاوَلُهُ فُرِضَ لَهُ بِاتِّفَاقٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ أَصْبَحَ غَادِيًا إِلَى السُّوقِ عَلَى رَأْسِهِ أَثْوَابٌ يَتَّجِرُ بِهَا، فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَقَالَ: كَيْفَ تَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ وُلِّيتَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي؟ قَالُوا: نَفْرِضُ لَك. فَفَرَضُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ شَطْرَ شَاةٍ.

قَوْلُهُ: (وَأَحْتَرِفُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيَحْتَرِفُ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: أَرَادَ بِاحْتِرَافِهِ لِلْمُسْلِمِينَ نَظَرَهُ فِي أُمُورِهِمْ وَتَمْيِيزَ مَكَاسِبِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ، وَكَذَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: الْمَعْنَى: أَكْتَسِبُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِالسَّعْيِ فِي مَصَالِحِهِمْ وَنَظْمِ أَحْوَالِهِمْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ: احْتَرَفَ الرَّجُلُ إِذَا جَازَى عَلَى خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: قَوْلُهُ أَحْتَرِفُ لَهُمْ أَيْ: أَتَّجِرُ لَهُمْ فِي مَالِهِمْ حَتَّى يَعُودَ عَلَيْهِمْ مِنْ رِبْحِهِ بِقَدْرِ مَا آكُلُ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِقَدْرِ مُؤْنَتِهِ إِلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ بِذَلِكَ كَمَا تَطَوَّعَ أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: وَالتَّوْجِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَيَّنَ السَّبَبَ فِي تَرْكِ الِاحْتِرَافِ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِالْإِمَارَةِ، فَمَتَى يَتَفَرَّغُ لِلِاحْتِرَافِ لِغَيْرِهِ؟ إِذْ لَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَافُ لَاحْتَرَفَ لِنَفْسِهِ كَمَا كَانَ، إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي الْمَالَ لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ وَيَجْعَلُ رِبْحَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ رَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ أَكَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنَ الْمَالِ - أَيْ: مَالِ الْمُسْلِمِينَ - وَاحْتَرَفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ.

(تَنْبِيهٌ): حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْوَقْفَ لَكِنَّهُ بِمَا اقْتَضَاهُ مِنْ أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَخْلَفَ كَانَ يَحْتَرِفُ لِتَحْصِيلِ مُؤْنَةِ أَهْلِهِ يَصِيرُ مَرْفُوعًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ: كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ تَاجِرًا إِلَى بُصْرَى فِي عَهْدِ النَّبِيِّ وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ: إِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَيَأْتِي حَدِيثُ عَائِشَةَ: أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِ الْبُخَارِيِّ لَهُ عَقِبَ حَدِيثِهَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ) كَذَا ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ إِلَّا رِوَايَةَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ شَبَّوَيْهِ، عَنِ الْفَرَبْرِيِّ، عَنِ الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، فَمُحَمَّدٌ عَلَى هَذَا هُوَ الْمُصَنِّفُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُقْرِي، وَقَدْ أَكْثَرَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَرُبَّمَا رَوَى عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ، وَسَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ، وَأَبُو الْأَسْوَدِ هُوَ النَّوْفَلِيُّ الْمَعْرُوفُ بِيَتِيمِ عُرْوَةَ، وَجَزَمَ الْحَاكِمُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا هُنَا هُوَ الذُّهْلِيُّ.

قَوْلُهُ: (رَوَاهُ هَمَّامٌ) يَعْنِي: ابْنَ يَحْيَى (عَنْ هِشَامٍ) يَعْنِي: ابْنَ عُرْوَةَ. وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ هُدْبَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ: كَانَ الْقَوْمُ خَدَّامَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانُوا يَرُوحُونَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَأَمَرُوا أَنْ يَغْتَسِلُوا وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَالْبَزَّارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ عَنْ عُرْوَةَ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرَةَ، وَتَقَدَّمَ