للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هَذَا الْإِطْلَاقِ، وَنَقَلَ أَبُو حَامِدٍ، وَالرُّويَانِيُّ فِيهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَأَجَابَ مَنْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ إِلَّا فِي الثَّلَاثِ لِكَوْنِ الْغَالِبِ أَنَّهَا لَا تُعْلَمُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالثَّانِي أَرْجَحُ لِأَنَّ حُكْمَ التَّصْرِيَةِ قَدْ خَالَفَ الْقِيَاسَ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ لِأَجْلِ النَّصِّ فَيُطْرَدُ ذَلِكَ وَيُتَّبَعُ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهِ.

قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ أَحْمَدَ، وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ: بِالْخِيَارِ إِلَى أَنْ يَحُوزَهَا أَوْ يَرُدَّهَا وَسَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (وَصَاعَ تَمْرٍ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: وَصَاعًا مِنْ تَمْرِ وَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ لِلصَّاعِ عَلَى الضَّمِيرِ فِي رَدَّهَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ فَوْرِيَّةُ الصَّاعِ مَعَ الرَّدِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مَعَهُ، وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلُ جُمْهُورِ النُّحَاةِ: إِنَّ شَرْطَ الْمَفْعُولِ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا، فَإِنْ قِيلَ: التَّعْبِيرُ بِالرَّدِّ فِي الْمُصَرَّاةِ وَاضِحٌ فَمَا مَعْنَى التَّعْبِيرِ بِالرَّدِّ فِي الصَّاعِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا

أَيْ: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَسَقَيْتُهَا مَاءً بَارِدًا، وَيُجْعَلُ عَلَفْتُهَا مَجَازًا عَنْ فِعْلٍ شَامِلٍ لِلْأَمْرَيْنِ أَيْ: نَاوَلْتُهَا، فَيُحْمَلُ الرَّدُّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى نَحْوِ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ رَدِّ الصَّاعِ مَعَ الشَّاةِ إِذَا اخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ، فَلَوْ كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَأَرَادَ رَدَّهُ هَلْ يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَبُولُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا؛ لِذَهَابِ طَرَاوَتِهِ وَلِاخْتِلَاطِهِ بِمَا تَجَدَّدَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى التَّمْرِ يَقْتَضِي تَعْيِينَهُ كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ، وَمُوسَى بْنِ يَسَارٍ. . . إِلَخْ) يَعْنِي: أَنَّ أَبَا صَالِحٍ وَمَنْ بَعْدَهُ وَقَعَ فِي رِوَايَاتِهِمْ تَعْيِينُ التَّمْرِ، فَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي صَالِحٍ فَوَصَلَهَا أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ: مَنِ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَأَمَّا رِوَايَةُ مُجَاهِدٍ فَوَصَلَهَا الْبَزَّارُ، قَالَ مُغَلْطَايْ: لَمْ أَرَهَا إِلَّا عِنْدَهُ. قُلْتُ: قَدْ وَصَلَهَا أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سَلِيمٍ كِلَاهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَوَّلُ رِوَايَةِ لَيْثٍ لَا تَبِيعُوا الْمُصَرَّاةَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ الْحَدِيثَ، وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ، وَفِي مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَيْضًا لِينٌ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ فَوَصَلَهَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَأَمَّا رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ - وَهُوَ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُهْمَلَةِ - فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَلْيَنْقَلِبْ بِهَا فَلْيَحْلِبْهَا، فَإِنْ رَضِيَ بِهَا أَمْسَكَهَا وَإِلَّا رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ وَسِيَاقُهُ يَقْتَضِي الْفَوْرِيَّةَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا أَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ الطَّعَامِ، وَالثَّلَاثِ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْهُ بِلَفْظِ: مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ، وَحَبِيبٍ، وَأَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ نَحْوَهُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ التَّمْرِ دُونَ ذِكْرِ الثَّلَاثِ فَوَصَلَهَا أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ بِلَفْظِ: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَإِنَّهُ يَحْلِبُهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَخَذَهَا وَإِلَّا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، فَذَكَرَ الثَّلَاثَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ بِلَفْظِ: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ بِذِكْرِ الطَّعَامِ وَلَمْ يَقُلْ ثَلَاثًا، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالطَّحَاوِيًّ مِنْ طَرِيقِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَخِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: مَنِ اشْتَرَى لِقْحَةً مُصَرَّاةً أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً فَحَلَبَهَا فَهُوَ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ بِالْخِيَارِ إِلَى أَنْ يَحُوزَهَا أَوْ يَرُدَّهَا وَإِنَاءً مِنْ طَعَامٍ.

فَحَصَلْنَا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَلَى أَرْبَعِ رِوَايَاتٍ: ذِكْرِ التَّمْرِ وَالثَّلَاثِ، وَذِكْرِ التَّمْرِ بِدُونِ الثَّلَاثِ،