للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ مِنَ الصَّاعِ الَّذِي هُوَ مِقْدَارُ ثَمَنِهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّمْرَ عِوَضٌ عَنِ اللَّبَنِ لَا عَنِ الشَّاةِ فَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرُوهُ.

سَادِسُهَا: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَاعِدَةِ الرِّبَا فِيمَا إِذَا اشْتَرَى شَاةً بِصَاعٍ، فَإِذَا اسْتَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا فَقَدِ اسْتَرْجَعَ الصَّاعَ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ شَاةً وَصَاعًا بِصَاعٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الرِّبَا إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْعُقُودِ لَا الْفُسُوخِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَبَايَعَا ذَهَبًا بِفِضَّةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَوْ تَقَايَلَا فِي هَذَا الْعَقْدِ بِعَيْنِهِ جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ.

سَابِعُهَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ ضَمَانُ الْأَعْيَانِ مَعَ بَقَائِهَا فِيمَا إِذَا كَانَ اللَّبَنُ مَوْجُودًا، وَالْأَعْيَانُ لَا تُضْمَنُ بِالْبَدَلِ إِلَّا مَعَ فَوَاتِهَا كَالْمَغْصُوبِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّبَنَ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا لَكِنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهُ، لِاخْتِلَاطِهِ بِاللَّبَنِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَتَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ فَأَشْبَهَ الْآبِقَ بَعْدَ الْغَصْبِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ.

ثَامِنُهَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إِثْبَاتُ الرَّدِّ بِغَيْرِ عَيْبٍ وَلَا شَرْطٍ، أَمَّا الشَّرْطُ فَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا الْعَيْبُ فَنُقْصَانُ اللَّبَنِ لَوْ كَانَ عَيْبًا لَثَبَتَ بِهِ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيَةٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ بِالتَّدْلِيسِ كَمَنْ بَاعَ رَحًى دَائِرَةً بِمَا جَمَعَهُ لَهَا بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ الرَّدُّ، وَأَيْضًا فَالْمُشْتَرِي لَمَّا رَأَى ضَرْعًا مَمْلُوءًا لَبَنًا ظَنَّ أَنَّهُ عَادَةٌ لَهَا فَكَأَنَّ الْبَائِعَ شَرَطَ لَهُ ذَلِكَ فَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ فَثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِفَقْدِ الشَّرْطِ الْمَعْنَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يُظْهِرُ صِفَةَ الْمَبِيعِ تَارَةً بِقَوْلِهِ وَتَارَةً بِفِعْلِهِ، فَإِذَا أَظْهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى صِفَةٍ فَبَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهَا كَانَ قَدْ دَلَّسَ عَلَيْهِ فَشُرِعَ لَهُ الْخِيَارُ، وَهَذَا هُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ وَمُقْتَضَى الْعَدْلِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إِنَّمَا بَذَلَ مَالَهُ بِنَاءً عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَظْهَرَهَا لَهُ الْبَائِعُ، وَقَدْ أَثْبَتَ الشَّارِعُ الْخِيَارَ لِلرُّكْبَانِ إِذَا تُلُقُّوا وَاشْتُرِيَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَهْبِطُوا إِلَى السُّوقِ وَيَعْلَمُوا السِّعْرَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ عَيْبٌ وَلَا خُلْفٌ فِي شَرْطٍ. وَلَكِنْ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَا اضْطِرَابَ فِيهِ وَلَا عِلَّةَ وَلَا نَسْخَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى صُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهُوَ مَا إِذَا اشْتَرَى شَاةً بِشَرْطِ أَنَّهَا تُحْلَبُ مَثَلًا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَشَرَطَ فِيهَا الْخِيَارَ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى إِسْقَاطِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا بَطَلَ الْعَقْدُ وَوَجَبَ رَدُّ الصَّاعِ مِنَ التَّمْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قِيمَةَ اللَّبَنِ يَوْمَئِذٍ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالتَّصْرِيَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ يَقْتَضِي تَعْلِيقَهُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ سَوَاءٌ وُجِدَتِ التَّصْرِيَةُ أَمْ لَا فَهُوَ تَأْوِيلٌ مُتَعَسِّفٌ، وَأَيْضًا فَلَفْظُ الْحَدِيثِ لَفْظُ عُمُومٍ، وَمَا ادَّعَوْهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعُمُومِ فَيَحْتَاجُ مَنِ ادَّعَى قَصْرَ الْعُمُومِ عَلَيْهِ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا وُجُودَ لَهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الْغِشِّ، وَأَصْلٌ فِي ثُبُوثِ الْخِيَارِ لِمَنْ دُلِّسَ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ، وَأَصْلٌ فِي أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ أَصْلَ الْبَيْعِ، وَأَصْلٌ فِي أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَصْلٌ فِي تَحْرِيمِ التَّصْرِيَةِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ بِهَا، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا بَيْعُ الْمُحَفَّلَاتِ خِلَابَةٌ وَلَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مَوْقُوفًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: التَّصْرِيَةُ خِلَابَةٌ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا لَوْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ؟ فِيهِ وَجْهٌ

لِلشَّافِعِيَّةِ، وَيُرَجِّحُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّ لَفْظَهُ: مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ الْحَدِيثَ. وَلَوْ صَارَ لَبَنُ الْمُصَرَّاةِ عَادَةً وَاسْتَمَرَّ عَلَى كَثْرَتِهِ هَلْ لَهُ الرَّدُّ؟ فِيهِ وَجْهٌ لَهُمْ أَيْضًا خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.

وَمِنْهَا: لَوْ تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ صَرَّهَا الْمَالِكُ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَبَاعَهَا فَهَلْ يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ؟ فِيهِ خِلَافٌ: فَمَنْ نَظَرَ إِلَى الْمَعْنَى أَثْبَتَهُ لِأَنَّ الْعَيْبَ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَدْلِيسٌ لِلْبَائِعِ، وَمَنْ نَظَرَ إِلَى أَنَّ حُكْمَ التَّصْرِيَةِ خَارِجٌ عَنِ الْقِيَاسِ خَصَّهُ بِمَوْرِدِهِ وَهُوَ حَالَةُ الْعَمْدِ فَإِنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا تَنَاوَلَهَا فَقَطْ.

وَمِنْهَا لَوْ كَانَ الضَّرْعُ مَمْلُوءًا لَحْمًا وَظَنَّهُ الْمُشْتَرِي لَبَنًا فَاشْتَرَاهَا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لَحْمٌ هَلْ