للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَبَوَيَّ، فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي، فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ، قَالَ: فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، قَالَ: فَفُرِجَ عَنْهُمْ، وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي، كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ: لَا تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتْ.

اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً، قَالَ: فَفَرَجَ عَنْهُمْ الثُّلُثَيْنِ، وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ، فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا؛ فَإِنَّهَا لَكَ، فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ وَلَكِنَّهَا لَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا، فَكُشِفَ عَنْهُمْ.

[الحديث ٢٢١٥ - أطرافه في: ٢٢٧٣، ٢٣٣٣، ٣٤٦٥، ٥٩٧٤]

قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَرَضِيَ) هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ، وَقَدْ مَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهَا إِلَى الْجَوَازِ، وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ انْحَطَّتْ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ فِي الْغَارِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ قَوْلُ أَحَدِهِمْ: إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرْقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ فَأَبَى، فَعَمَدْتُ إِلَى الْفَرْقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا فَإِنَّ فِيهِ تَصَرُّفَ الرَّجُلِ فِي مَالِ الْأَجِيرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا ثَمَّرَهُ لَهُ وَنَمَّاهُ وَأَعْطَاهُ أَخَذَهُ وَرَضِيَ، وَطَرِيقُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا ش رْعٌ لَنَا، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَالْخِلَافُ فِيهِ شَهِيرٌ، لَكِنْ يَتَقَرَّرُ بِأَنَّ النَّبِيَّ سَاقَهُ مَسَاقَ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ عَلَى فَاعِلِهِ وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَبَيَّنَهُ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ لَا بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا، وَفِي اقْتِصَارِ الْبُخَارِيِّ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ لِهَذَا الْحُكْمِ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ فِي فَضْلِ الْخَيْلِ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ فِي قِصَّةِ بَيْعِهِ الشَّاةَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الِاسْتِدْلَالَ لِهَذَا الْحُكْمِ، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِفَرْقٍ فِي الذِّمَّةِ، وَلَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ الْفَرْقُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ اسْتَمَرَّ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجَرِ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بِالْقَبْضِ، فَلَمَّا تَصَرَّفَ فِيهِ الْمَالِكُ صَحَّ تَصَرُّفُهُ سَوَاءٌ اعْتَقَدَهُ

لِنَفْسِهِ أَوْ لِأَجِيرِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَبَرَّعَ بِمَا اجْتَمَعَ مِنْهُ عَلَى الْأَجِيرِ بِرِضًى مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إِذَا أَوْدَعَ رَجُلٌ رَجُلًا طَعَامًا فَبَاعَهُ الْمُودَعُ بِثَمَنٍ فَرَضِيَ الْمُودِعُ فَلَهُ الْخِيَارُ، إِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِثْلَ طَعَامِهِ. وَمَنَعَ أَشْهَبُ قَالَ: لِأَنَّهُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ فِيهِ خِيَارٌ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ لِأَبِي ثَوْرٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ مَنْ غَصَبَ قَمْحًا فَزَرَعَهُ إِنَّ كُلَّ مَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْقَمْحِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْحِنْطَةِ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْفَرْعِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ حَدِيثِ أَهْلِ الْغَارِ فِي أَوَاخِرِ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَوْلُهُ: فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ فِيهِ إِدْخَالُ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ ابْنِ جُرَيْجٍ وَنَافِعٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ قَدْ سَمِعَ الْكَثِيرَ مِنْ نَافِعٍ. فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى قِلَّةِ تَدْلِيسِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مُوسَى