وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَإِلَى الْعَصَبَةِ مَنْ كَانَ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْعُلَمَاءُ: كَأنَ الَّذِي فَعَلَهُ ﷺ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِيُحَرِّضَ النَّاسَ عَلَى قَضَاءِ الدُّيُونِ فِي حَيَاتِهِمْ وَالتَّوَصُّلِ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنْهَا، لِئَلَّا تَفُوتَهُمْ صَلَاةُ النَّبِيِّ ﷺ وَهَلْ كَانَتْ صَلَاتُهُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ أَوْ جَائِزَةً؟ وَجْهَانِ: قَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِجَوَازِهِ مَعَ وُجُودِ الضَّامِنِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ يَمْتَنِعُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مَنِ اسْتَدَانَ دَيْنًا غَيْرَ جَائِزٍ، وَأَمَّا مَنِ اسْتَدَانَ لِأَمْرٍ هُوَ جَائِزٌ، فَمَا كَانَ يَمْتَنِعُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ حَيْثُ قَالَ: مَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَوْ كَانَ الْحَالُ مُخْتَلِفًا لَبَيَّنَهُ. نَعَمْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا امْتَنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّمَا الظَّالِمُ فِي الدُّيُونِ الَّتِي حُمِلَتْ فِي الْبَغْيِ وَالْإِسْرَافِ، فَأَمَّا الْمُتَعَفِّفُ ذُو الْعِيَالِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ أُؤَدِّي عَنْهُ. فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: مَنْ تَرَكَ ضَيَاعًا الْحَدِيثَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمُتَابَعَاتِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ كَانَ مُسْتَمِرًّا، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ طَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ السَّبَبُ فِي قَوْلِهِ ﷺ: مَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ، وَفِي صَلَاتِهِ ﷺ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَعْدَ أَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ يَقْضِيهِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ يَقْضِيهِ مِنْ خَالِصِ نَفْسِهِ، وَهَلْ كَانَ الْقَضَاءُ واجبًا عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَجْهَانِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: قَوْلُهُ: مَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ، نَاسِخٌ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَقَوْلُهُ: فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ أَيْ: مِمَّا يَفِيءُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْغَنَائِمِ وَالصَّدَقَاتِ، قَالَ: وَهَكَذَا يَلْزَمُ الْمُتَوَلِّي لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ حَقُّ الْمَيِّتِ فِي بَيْتِ الْمَالِ يَفِي بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَإِلَّا فَبِقِسْطِهِ.
(خَاتِمَةٌ): اشْتَمَلَ كِتَابُ الْحَوَالَةِ وَمَا مَعَهُ مِنَ الْكَفَالَةِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيثًا، الْمُعَلَّقُ مِنْهَا طَرِيقَانِ، وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهُ فِيهِ وَفِيمَا مَضَى سِتَّةُ أَحَادِيثَ، وَالسِّتَّةُ الْأُخْرَى خَالِصَةٌ، وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمِيرَاثِ. وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ثَمَانِيَةُ آثَارٍ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute