الْبُخَارِيُّ إِبَاحَةَ الْحَرْثِ بِدَلِيلِ إِبَاحَةِ اقْتِنَاءِ الْكِلَابِ الْمَنْهِيِّ عَنِ اتِّخَاذِهَا لِأَجْلِ الْحَرْثِ، فَإِذَا رُخِّصَ مِنْ أَجْلِ الْحَرْثِ فِي الْمَمْنُوعِ مِنِ اتِّخَاذِهِ كَانَ أَقَلُّ دَرَجَاتِهِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ.
قَوْلُهُ: (مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ ثَانِيَ حَدِيثَيِ الْبَابِ مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلتَّرْجَمَةِ، وَمُفَسِّرٌ لِلْإِمْسَاكِ الَّذِي هُوَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِلَفْظِ: مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ كَلْبَ صَيْدٍ وَلَا مَاشِيَةٍ وَلَا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ، فَأَمَّا زِيَادَةُ الزَّرْعِ فَقَدْ أَنْكَرَهَا ابْنُ عُمَرَ، فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ. فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ.
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا وَيُقَالُ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِشَارَةَ إِلَى تَثْبِيتِ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَّ سَبَبَ حِفْظِهِ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ دُونَهُ أَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ دُونَهُ، وَمَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِشَيْءٍ احْتَاجَ إِلَى تَعَرُّفِ أَحْكَامِهِ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا الْحَدِيثَ، قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ، وَأَصْلُهُ لِلْبُخَارِيِّ فِي الصَّيْدِ دُونَ الزِّيَادَةِ، وَقَدْ وَافَقَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى ذِكْرِ الزَّرْعِ سُفْيَانُ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ كَمَا تَرَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ أَوَّلُهُ: أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَالزَّرْعِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مَاشِيَةٍ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّرْدِيدِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: إِلَّا كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ صَيْدٍ)، أَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ سِيرِينَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا بَعْدَ التَّتَبُّعِ الطَّوِيلِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي صَالِحٍ فَوَصَلَهَا أَبُو الشَّيْخِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَمِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ حَرْثٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطًا، لَمْ يَقُلْ سُهَيْلٌ: أَوْ حَرْثٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ) وَصَلَهَا أَبُو الشَّيْخِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ بِلَفْظِ: أَيُّمَا أَهْلِ دَارٍ رَبَطُوا كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلَا مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ اتِّخَاذِ الْكِلَابِ لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ، وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ حَافِظٍ، وَكَرَاهَةُ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ اتِّخَاذُهَا لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ قِيَاسًا، فَتَمَحَضَّ كَرَاهَةُ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْوِيعِ النَّاسِ وَامْتِنَاعِ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ لِلْبَيْتِ الَّذِي هُمْ فِيهِ. وَفِي قَوْلِهِ: نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ - أَيْ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ - مَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ اتِّخَاذَهَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، لِأَنَّ مَا كَانَ اتِّخَاذُهُ مُحَرَّمًا امْتَنَعَ اتِّخَاذُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ نَقَصَ الْأَجْرُ أَوْ لَمْ يَنْقُصْ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اتِّخَاذَهَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ.
قَالَ: وَوَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُتَعَبَّدَ بِهَا فِي الْكِلَابِ مِنْ غَسْلِ الْإِنَاءِ سَبْعًا لَا يَكَادُ يَقُومُ بِهَا الْمُكَلَّفُ وَلَا يَتَحَفَّظُ مِنْهَا فَرُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ بِاتِّخَاذِهَا مَا يَنْقُصُ أَجْرَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَيُرْوَى أَنَّ الْمَنْصُورَ سَأَلَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ فَقَالَ الْمَنْصُورُ: لِأَنَّهُ يَنْبَحُ الضَّيْفَ، وَيُرَوِّعُ السَّائِلَ اهـ.
وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيمِ وَاسْتَنَدَ لَهُ بِمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ تَقَعُ بِعَدَمِ التَّوْفِيقِ لِلْعَمَلِ بِمِقْدَارِ قِيرَاطٍ مِمَّا كَانَ يَعْمَلُهُ مِنَ الْخَيْرِ لَوْ لَمْ يَتَّخِذِ الْكَلْبَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِاتِّخَاذُ حَرَامًا، وَالْمُرَادُ بِالنَّقْصِ أَنَّ الْإِثْمَ