سَمِعَهُ مِنَ الزُّبَيْرِ فَيَكُونُ مَوْصُولًا، وَعَلَى هَذَا فيؤول قَوْلُهُ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى إِرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِ وَاحِدٍ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ، وَأَمَّا قَوْلُ الْكَرْمَانِيِّ بِأَنَّ حَاطِبًا كَانَ حَلِيفًا لِلْأَنْصَارِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ فَلَعَلَّهُ كَانَ مَسْكَنُهُ هُنَا كَعُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ.
وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ بِغَيْرِ سَنَدٍ أَنَّ الزُّبَيْرَ، وَحَاطِبًا لَمَّا خَرَجَا مَرَّا بِالْمِقْدَادِ قَالَ: لِمَنْ كَانَ الْقَضَاءُ؟ فَقَالَ حَاطِبٌ: قَضَى لِابْنِ عَمَّتِهِ، وَلَوَى شِدْقَهُ، فَفَطِنَ لَهُ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَيَتَّهِمُونَهُ، وَفِي صِحَّةِ هَذَا نَظَرٌ، وَيَتَرَشَّحُ بِأَنَّ حَاطِبًا كَانَ حَلِيفًا لِآلِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامِّ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَكَأَنَّهُ كَانَ مُجَاوِرًا لِلزُّبَيْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الدَّاوُدِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ خَصْمَ الزُّبَيْرِ كَانَ مُنَافِقًا فَقَدْ وَجَّهَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْأَنْصَارِ يَعْنِي نَسَبًا لَا دِينًا، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا وَلَكِنْ أَصْدَرَ ذَلِكَ مِنْهُ بَادِرَةُ النَّفْسِ كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ، وَقَوَّى هَذَا شَارِحُ الْمَصَابِيحِ التُّورِبِشْتِيُّ وَوَهَّى مَا عَدَاهُ وَقَالَ: لَمْ تَجْرِ عَادَةُ السَّلَفِ بِوَصْفِ الْمُنَافِقِينَ بِصِفَةِ النُّصْرَةِ الَّتِي هِيَ الْمَدْحُ وَلَوْ شَارَكَهُمْ فِي النَّسَبِ، قَالَ: بَلْ هِيَ زَلَّةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَمَكَّنَ بِهِ مِنْهَا عِنْدَ الْغَضَبِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَنْكَرٍ مِنْ غَيْرِ الْمَعْصُومِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ اهـ.
وَقَدْ قَالَ الدَّاوُدِيُّ بَعْدَ جَزْمِهِ بِأَنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا: وَقِيلَ كَانَ بَدْرِيًّا، فَإِنْ صَحَّ فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ شُهُودِهَا لِانْتِفَاءِ النِّفَاقِ عَمَّنْ شَهِدَهَا اهـ. وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ صُدُورِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ مِنْهُ وَبَيْنَ النِّفَاقِ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ إِنْ كَانَ بَدْرِيًّا فَمَعْنَى قَوْلِهِ: لَا يُؤْمِنُونَ، لَا يَسْتَكْمِلُونَ الْإِيمَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (خَاصَمَ الزُّبَيْرُ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا وَالْمُخَاصَمَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُخَاصِمٌ لِلْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْجِيمِ جَمْعُ شَرْجٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ مِثْلُ بَحْرٍ وَبِحَارٍ وَيُجْمَعُ عَلَى شُرُوجٍ أَيْضًا، وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ شَرَجٍ بِفَتْحِ الرَّاءٍ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ شَرْجَةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَسِيلُ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا أُضِيفَتْ إِلَى الْحَرَّةِ لِكَوْنِهَا فِيهَا، وَالْحَرَّةُ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَهِيَ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: الْمَشْهُورُ مِنْهَا اثْنَتَانِ حَرَّةُ وَاقِمٍ، وَحَرَّةُ لَيْلَى. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هُوَ نَهَرٌ عِنْدَ الْحَرَّةِ بِالْمَدِينَةِ، فَأَغْرَبَ وَلَيْسَ بِالْمَدِينَةِ نَهَرٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَادِيَانِ يَسِيلَانِ بِمَاءِ الْمَطَرِ فَيَتَنَافَسُ النَّاسُ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلْأَعْلَى فَالْأَعْلَى.
قَوْلُهُ (الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ) فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهَا كِلَاهُمَا.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ) يَعْنِي لِلزُّبَيْرِ (سَرِّحْ) فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ التَّسْرِيحِ أَيْ أَطْلِقْهُ. وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ كَانَ يَمُرُّ بِأَرْضِ الزُّبَيْرِ قَبْلَ أَرْضِ الْأَنْصَارِيِّ فَيَحْبِسُهُ لِإِكْمَالِ سَقْيِ أَرْضِهِ ثُمَّ يُرْسِلُهُ إِلَى أَرْضِ جَارِهِ، فَالْتَمَسَ مِنْهُ الْأَنْصَارِيُّ تَعْجِيلَ ذَلِكَ فَامْتَنَعَ.
قَوْلُهُ: (اسْقِ يَا زُبَيْرُ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ مِنَ الثُّلَاثِيِّ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مِنَ الرُّبَاعِيِّ تَقُولُ سَقَى وَأَسْقَى، زَادَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي رِوَايَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ فَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَهِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي، وَقَدْ أَوْضَحَهُ شُعَيْبٌ فِي رِوَايَتِهِ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِهِ وَكَانَ قَدْ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ فِيهِ سَعَةٌ لَهُ وَلِلْأَنْصَارِيِّ وَضَبَطَهُ الْكَرْمَانِيُّ فَأَمِرَّهُ هُنَا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ الْإِمْرَارِ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ.
قَوْلُهُ: (أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ) بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنْ وَهِيَ لِلتَّعْلِيلِ، كَأَنَّهُ قَالَ: حَكَمْتَ لَهُ بِالتَّقْدِيمِ لِأَجْلِ أَنَّهُ ابْنُ عَمَّتِكَ، وَكَانَتْ أُمُّ الزُّبَيْرِ صَفِيَّةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: يُحْذَفُ حَرْفُ الْجَرِّ مِنْ أَنْ كَثِيرًا تَخْفِيفًا، وَالتَّقْدِيرُ لِأَنْ كَانَ أَوْ بِأَنْ كَانَ، وَنَحْوُ: ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾ أَيْ لَا تُطِعْهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، حَكَى الْقُرْطُبِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ أَنَّ هَمْزَةَ أَنْ مَمْدُودَةٌ، قَالَ: لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ عَلَى جِهَةِ إِنْكَارٍ. قُلْتُ: وَلَمْ يَقَعْ لَنَا فِي الرِّوَايَةِ مَدٌّ، لَكِنْ يَجُوزُ حَذْفُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ.
وَحَكَى الْكَرْمَانِيُّ إِنْ كَانَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ، وَلَا أَعْرِفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. نَعَمْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ