اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا أَبْصَرَ - يَعْنِي أُحُدًا - قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّهُ تَحَوَّلَ لِي ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْأَكْثَرِينَ هُمْ الْأَقَلُّونَ، إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا - وَأَشَارَ أَبُو شِهَابٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ - وَقَلِيلٌ مَا هُمْ. وَقَالَ: مَكَانَكَ، وَتَقَدَّمَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَسَمِعْتُ صَوْتًا، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ: مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ. فَلَمَّا جَاءَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الَّذِي سَمِعْتُ - أَوْ قَالَ: الصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُ - قَالَ: وَهَلْ سَمِعْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ ﵇ فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَمَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
٢٣٨٩ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لَا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ، رَوَاهُ صَالِحٌ وَعُقَيْلٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ.
[الحديث ٢٣٨٩ - طرفاه في: ٦٤٤٥، ٧٢٢٨]
قَوْلُهُ: (بَابُ أَدَاءِ الدَّيْنِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ الدُّيُونُ بِالْجَمْعِ (وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ الْآيَةَ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَسَاقَ الْأَصِيلِيُّ وَغَيْرُهُ الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: أُدْخِلَ الدَّيْنُ فِي الْأَمَانَةِ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِأَدَائِهِ، إِذِ الْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ فِي الْآيَةِ هُوَ الْمُرَادُ بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ وَفُسِّرَتْ هُنَاكَ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَيَدْخُلُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ اهـ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَمَانَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَإِذَا أَمَرَ اللَّهُ بِأَدَائِهَا وَمَدَحَ فَاعِلَهُ وَهِيَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَحَالُ مَا فِي الذِّمَّةِ أَوْلَى. وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ حَاجِبِ الْكَعْبَةِ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ نَزَلَتْ فِي الْوُلَاةِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ طَلْقِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: كَانَ لِي دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَخَاصَمْتُهُ إِلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ لَهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ وَأَمَرَ بِحَبْسِهِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمَّا أَبْصَرَ أُحُدًا قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّهُ يُحَوَّلُ لِي ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا دِينَارًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ.
وَغَرَضُهُ هُنَا هَذَا الْقَدْرُ الْمَذْكُورُ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي كَثِيرِ الدَّيْنِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْيَسِيرِ مِنْهُ أَخْذًا مِنِ اقْتِصَارِهِ عَلَى ذِكْرِ الدِّينَارِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ مَثَلًا لَمْ يَرْصُدْ لِأَدَائِهَا دِينَارًا وَاحِدًا اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَفِيهِ الِاهْتِمَامُ بِأَمْرِ وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ ﷺ مِنَ الزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ: (مَا أُحِبُّ أَنَّهُ تَحَوَّلَ لِي ذَهَبًا) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ تَحَوَّلَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ، وَلِغَيْرِهِ بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: فِيهِ حَوَّلَ بِمَعْنَى صَيَّرَ وَقَدْ خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النُّحَاةِ، وَعَابَ بَعْضُهُمُ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى الْحَرِيرِيِّ. قَالَ: وَقَدْ جَاءَ هُنَا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ جَارِيًا مَجْرَى صَارَ فِي رَفْعِ مَا كَانَ مُبْتَدَأً وَنَصْبِ مَا كَانَ خَبَرًا، وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا صِيغَ مِنْ حَوَّلَ مِثْلُ تَحَوَّلَ فَإِنَّهُ بِزِيَادَةِ الْمُثَنَّاةِ تَجَدَّدَ لَهُ حَذْفُ مَا كَانَ فَاعِلًا وَجُعِلَ أَوَّلُ الْمَفْعُولَيْنِ فَاعِلًا وَثَانِيهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute