نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ﴾ وَقَالَ تعالى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ وَالْحَجْرِ فِي ذَلِكَ وَمَا يُنْهَى عَنْ الْخِدَاعِ
٢٤٠٧ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ ﵄ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنِّي أُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، فَقَالَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَقُولُهُ.
٢٤٠٨ - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُنْهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَقَوْلِ اللَّهِ ﵎: ﴿وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي التِّلَاوَةِ.
قَوْلُهُ وَ ﴿لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِابْنِ شَبَّوَيْهِ، وَالنَّسَفِيِّ لَا يُحِبُّ بَدَلَ لَا يُصْلِحُ، قِيلَ: وَهُوَ سَهْوٌ، وَوَجْهُهُ عِنْدِي - إِنْ ثَبَتَ - أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ التِّلَاوَةَ لِأَنَّ أَصْلَ التِّلَاوَةِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾
قَوْلُهُ: (وَقَالَ: ﴿أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - مَا نَشَاءُ) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ يَنْهَاهُمْ عَنْ إِفْسَادِهَا فَقَالُوا ذَلِكَ، أَيْ: إِنْ شِئْنَا حَفِظْنَاهَا وَإِنْ شِئْنَا طَرَحْنَاهَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ الْآيَةَ قَالَ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْمُرَادِ بِالسُّفَهَاءِ: الصَّوَابُ عِنْدَنَا أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي حَقِّ كُلِّ سَفِيهٍ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَالسَّفِيهُ هُوَ الَّذِي يُضَيِّعُ الْمَالَ وَيُفْسِدُهُ بِسُوءِ تَدْبِيرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْحَجْرِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي السَّفَهِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إِضَاعَةِ الْمَالِ وَالْحَجْرُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ، وَفِي الشَّرْعِ: الْمَنْعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، فَتَارَةً يَقَعُ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَتَارَةً لِحَقِّ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ الْحَجْرِ عَلَى الْكَبِيرِ، وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ وَوَافَقَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَمْ أَرَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْعَ الْحَجْرِ عَنِ الْكَبِيرِ وَلَا عَنِ التَّابِعِينَ إِلَّا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَمِنْ حُجَّةِ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى نَجْدَةَ وَكَتَبَتْ تَسْأَلُنِي مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ؟ فَلَعَمْرِي إِنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحْيَتُهُ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْأَخْذِ لِنَفْسِهِ ضَعِيفُ الْعَطَاءِ، فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا أَخَذَ النَّاسُ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَقَدْ وَرَدَ مَا يُؤَيِّدُهُ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا يُنْهَى عَنِ الْخِدَاعِ) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ يُسِيءُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ.
ثُمَّ سَاقَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ الَّذِي كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْخِدَاعِ فِي الْبَيْعِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَفِيهِ تَوْجِيهُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ لِلْحَجْرِ عَلَى الْكَبِيرِ، وَرَدُّ قَوْلِ مَنِ احْتَجَّ بِهِ لِمَنْعِ ذَلِكَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي عُثْمَانُ) هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَجَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَمَنْصُورٌ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ لَكِنْ سَكَنَ جَرِيرٌ الرَّيَّ، وَمَنْصُورٌ وَشَيْخُهُ وَشَيْخُ شَيْخِهِ تَابِعِيُّونَ فِي نَسَقٍ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ) قِيلَ خَصَّ الْأُمَّهَاتِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْعُقُوقَ إِلَيْهِنَّ أَسْرَعُ مِنَ الْآبَاءِ لِضَعْفِ النِّسَاءِ، وَلِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ بِرَّ الْأُمِّ مُقَدَّمٌ عَلَى بِرِّ الْأَبِ فِي التَّلَطُّفِ وَالْحُنُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ هُنَا قَوْلُهُ فِيهِ: وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَقَدْ قَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ السَّرَفُ فِي إِنْفَاقِهِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِنْفَاقُهُ فِي الْحَرَامِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.